الصبأة لأنهم مالوا علما ألفته قريش وعن وثنيتهم إلى الإسلام - هذا مجمل ما قاله علماء اللغة والمفسرون وهو قد يكون صحيحاً في تأويل ما ورد من هذه المادة في القرآن ومعناها كما يريده الكتاب الكريم وفي تبيين معنى هذه اللفظة في اللغة العربية الحيلة وما يريده العرب الفصاح منها أما إذا قصدنا إلى سر تسمية هذه الطائفة بهذا الاسم عند نفسها إن كانت تسمي نفسها كذلك أو إلى معنى هذه اللفظة في أصلها الوضعى فربما كان أقرب إلى المعقول أن يكون اشتقاقها على ما قاله بعض الباحثين في علم اللغات من صبأوت العبرية ومعناها جند السماء دلالة على أنهم يعبدون الكواكب والعربية أخت العبرية وإن كان لا يعرف أيتهما السابقة أو ما هي أمهما - وقد تطورت هذه الديانة تبعاً لتطور أصحابها في أحوالهم الاجتماعية على أطوار شتى وذلك أنها كانت في الأول مبنية على تقديس الكواكب والأجرام السماوية في حين أنها عنوان عظمة الله وجلال خالقها أي أن تقديسها لم يكن إلا تقديساً لله جل شأنه كما هو الشأن في أصل غريزة الدين كما أسلفنا ثم وقفت بعد ذلك عند عبادة الكواكب ولم تعدها إلى ما وراءها أي أن أهلها صاروا يرون الكواكب آلهة. وعبروا على ذلك حيناً من الدهر حتى إذا رأوا الكواكب تختفي بالنهار وفي بعض أوقات الليل رأى فريق منهم أن يجعلوا لها أصناماً وتماثيل على صورها وأشكالها فجعلوا أصناماً وتماثيل بعدد الكواكب المشهورة وسموها بأسمائها وفي هذا الطور أرسل إليهم إبراهيم الخليل الذي نشأ في أور الكلدانيين قبل ميلاد السيد المسيح حسبما جاء في التوراة بنحوٍ من ألفي عام وجرى بينهم وبينه ما هو مذكور في القرآن الكريم وقد بينه الشهرستاني صاحب الملل والنحل أحسن تبيين وقد سمي العرب والكتاب دين إبراهيم - الذي خالف به قومه الصابئة - الحنيف حتى صار اللفظتان (صابى وحنيف) من الألفاظ المتقابلة: وقد اضطربت كلمة اللغويين والمفسرين في معنى هذه الكلمة (حنيف) ونحن نورد هنا ما جاء في اللسان بخصوصها قال: وحنف عن الشيء وتحنف مال والحنيف المسلم الذي يتحنف أي يميل إلى الحق وقيل الذي يستقبل قبلة البيت على ملة إبراهيم وقيل هو المخلص وقيل من أسلم في أمر الله فلم يلتو في شيء فهو حنيف وقال أبو زيد الحنيف المستقيم.

تعلم أن سيهديكم إلينا ... طريق لا يجوز بكم حنيف

وقال أبو عبيدة في قوله عز وجل: {قل بل ملة إبراهيم حنيفاً} قال من كان على دين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015