الكوكب

أتمت ابنتي سوزان في هذا المساء اثني عشر شهراً من عمرها وقد امتلأت في الاثني عشر شهراً هذه التي عاشتها في هذه الدنيا القديمة والكوكب العجوز المسن، بالشيء الكثير من علم الحياة، وخبرت العالم، ولو أن رجلاً استطاع أن يكشف في مدى اثني عشر عاماً الحجب عما اهتدت إليه ابنتي سوزان في اثني عشر شهراً، إذن لكان رجلاً إلهياً مقدساً خالداً، والأطفال الصغار لا تزال لهم عبقرية مجهولة لا تدركها الأبصار، وهم يصلون إلى إدراك الحياة بنشاط يفوق طاقة القوة الإنسانية، وخفة لا تزال تقرب من الخفة الشيطانية.

فهلا تعتقدون أيها الناس أن هؤلاء المخلوقات الدقيقة تنظر وتحس وتتكلم وتقارن وتفكر وتتذكر، هل ترونهم وهم يمشون ويدرجون ويغدون ويروحون، أتشهدونهم وهم يلعبون ويلهون، بل أعجب أمورهم، وآخذها باللب، وأبعثها على الحيرة والذهول أنهم يلعبون، لأن اللعب هو أساس جميع الفنون، هو المادة التي استمد منها العالم جميع الآداب والعلوم، أليس شكسبير عمركم الله إلا لعباً وعرائس، وأغاني وأناشيد ولسوزان سلة كبيرة مفعمة باللعب، منها لعب من صنع الطبيعة، وأخريات من صنع الصانع، ومن يد العامل، بين حيوانات من الخشب وأولاد من المطاط، ومنها كثيرات لم تخلق لتكون لعباً فأسعدها الحظ أن أصبحت على يد سوزان كذلك، فمن أكياس نقود قديمة ومن صندوقات محطمة، ومن مساطر ومن مقصات ومن دليل من دلائل السكة الحديد ومن كراسة بالية ممزقة، وفي كل يوم تخرجها سوزان فترتبها فوق مخدتها وتدفعها إلى أمها، ولا تعلم لها شكلاً، ولا ترى فارقاً بين هذه الأشياء الصغيرة، وبين الأشياء الأخرى التي في العالم، وعندها إن العالم بأجمعه ليس إلا لعبة عظيمة مقطوعة ومرسومة.

فلو أننا تعمقنا في نظر هذه الفكرة التي تجول في تلك الروح الصغيرة، وهذه العقيدة في الطبيعة وفي الحياة، إذن لا عجبنا هذا المنطق، ولكن نحكم عليها من ناحية أفكارنا، لا من ناحية أفكارها هي وخواطرها، ولأنها لا تملك العقل الذي لنا نحن نحكم بأن ليس لها عقل، فياللظلم وياللجور وياللطيش، ولكني أنا الذي أعرف كيف أنظر إلى الأمور من ناحية حقائقها أرى روحاً وعقلاً حيث لا يرى الناس إلا ثرثرة وغرائب لا اتصال بينها ولا رابطة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015