سنة 2900

هذا مقال فكاهي طريف، نقدمه للناس لكي يتكهنوا هم في أنفسهم عن حال الدنيا يوم تدور دورة الدهر ألفاً، وتجري عجلة القرون عشراً، ويتخيلوا مصير الأرض في المستقبل البعيد والزمن الرخيّ القادم، ويتفكهوا بخيال كاتب من كبار كتاب الملح والنقد المضحك والفلسفة البهيجة، ويذكروا ما قد رأوه له في أعداد البيان السابقة من أفكاره البليدة وآرائه الممتعة التي يلبسها ثوب التهكم والأضحوكة العذبة، ونعني به الكاتب الروائي المشهور جيروم. ك، جيروم الذي وسم نفسه بلقب المفكر البليد.

وقد عثرنا بهذا المقال في كتاب من كتبه الفرائد، ومقالاته المبدعة، فآثرنا أن نسوقه إلى القراء، لأننا أحوج إليه في زمن يظن أهله أنهم قد لمّوا على المرقاة الأخيرة من مدارج الحضارة.

كنت ليلة الأمس في سمر طيب، ومحضر جميل، إذ جلست إلى العشاء في ناد يجمع طائفة من أصحابي الراقين على الاصطلاح الجديد، وكنا جلوساً أمام عشاء فاخر، يحتوي صحافاً عذبة المذاق، وألواناً من الطعام متعددة، فلما نهضنا إلى جلسة التدخين، لم نلبث أن سقطنا في جدل طويل عن موضوع المساواة القادمة بين الناس، وتوحيد الثروة، وإبطال الغنى الفردي.

ولم أكن أستطيع أن أسهم في هذا الجدل، أو أهجم مع صحبي في مثل هذا الحديث، لأنني لم أجد فرصة من زمني مذ كنت صبياً تؤاتيني على أن أذاكر هذه الأبحاث، إذ كنت فقيراً أسعى إلى الرزق طفلاً.

على أنني لبثت أستمع إليهم، وهم يشرحون كيف أن الدنيا قد ظلت منذ آلاف من الأجيال، قبل أن ينحدروا إليها، تسير على خطأ، وتدور دورة شمالية وكيف أنهم يستطيعون في بضع سنين أن يصلحوها ويردوها إلى مدارها المضبوط.

وكان محور حديثهم المساواة العامة، المساواة في كل شيء، في الثروة والامتلاك والعمل، والمساواة في الرضى والسعادة، وكيف أن الدنيا حق للجميع، وخلقت للجميع، ويجب أن تقسم القسمة العدل على الجميع، وأن عمل الفرد ليس له ولكنه حق المجموع، وعليه أن يطعمه ويكسوه، ويجب أن يكون هذا العمل يقصد به إسعاد الجنس الإنساني كله، لا إسعاد صاحبه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015