فضيلة وليس من الرأي الدعاء له والحض عليه.

وكانت الرحمة فضيلة يوم كان الناس صادقيين في أحاديثهم عن أنفسهم فلا يعترف بالبؤس إلا البائس. ولا يلبس الأطمار إلا من يعجز عن لبس الجديد. أما اليوم وقد ذلت النفوس وسفلت المروءات فلبس ثوب الفقير غير الفقير. وانتحل البؤس غير البائس. وأصبح نصف الناس كسالى متبطلين لا عمل لهم إلا التلجوأ إلى ظلال القلوب الرحيمة يعتصرونها ويحلبون درتها حتى تجف جفاف الحشف البالي فالرحمة هي الفقر العاجل والخسران المبين.

وكانت الشجاعة الأدبية فضيلة يوم كان الناس ينصرون الشجاع ويؤازرونه. ويتتبعون خطواته في جميع مذاهبه التي يذهبها. فلا ينقطعون عنه حتى يظفر أو يموتوا من دونه. أما اليوم وقد ضعفت همم الناس ووهنت عزائمهم. وماتت في نفوسهم الحفائظ والغير. ووكل بعضهم أمره إلى بعض. فإن رأوا قائماً يمينهم بدعوة أغروه بالمضي فيها ثم وقفوا على كثب منه ينظرون ماذا يفعل فإذا ظفر قاسموه غنيمته وإن فشل خذلوه وتنكروا له فالشجاعة جنون لا يجد صاحبها من ورائها إلا التهلكة والشقاء.

وكانت القناعة فضيلة يوم كان الفضل هو الميزان الذي يزن به الناس أقدار الناس وقيمهم وكان الفقر مفخرة للشريف إذا عفت يده. والغني معرة للدنيء إذا سلفت مساعيه وأغراضه أما اليم وقد مات كل مجد في العالم إلا المجد المالي وأصبح الناس يتعارفون بأزياءهم ومظاهرهم. قبل أن يتعارفوا بصفاتهم وأعمالهم. فالقناعة ذل الحياة عارها وبؤسها الدائم وشقاؤها الطويل.

وكان الغضب رذيلة يوم كان الناس يعرفون فضيلة الحلم ويقدرونها قدرها. ويطأطئون رؤوسهم بين أيدي صاحبها إجلالاً وإعظاماً. أما وقد أصح الناس أشراراً يحملون شرورهم على أيديهم ويدورونبها في كل مكان يطلبون لها رأساً يصبونها عليه ولا يجرؤون على غير الرأس الضعيف اللين. فلا خير في الحلم والخير كل الخير في الغضب.

الحياة معترك أبطاله الأشرار وأسلحتهم الرذائل. فمن لم يحاربهم بمثل سلاحهم هلك عن الصدمة الأولى.

يجب أن يكون الناس جميعهم فضلاء ليسعدوا بفضيلتهم فإن عجزوا عن ذلك فليكونوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015