والدأب، نعم، فلو أن لا ثور يخور في المرعى، ولا وحش يزأر في الأجمة، ولا أطيار تغني في الفضاء، ولا تطنين للنحل، ولا تمتمة للفراش، أجل، لو أن جميع الكائنات على الأرض كانت صامتة جامدة، وليس في العالم إلا المياه والرياح والعواصف والأنواء، إذن لأصبح الكون عقيماً تافهاً، ولكن أتكون السعادة أقل منها الآن، أو يروح الشقاء أكبر منه اليوم، أيتها الشمس، يا منشئة النهار والرقيب على الليل هل رأيت دوة القرون العديدة التي تقاس بمطلعك ومغيبك، إنساناً واحد كان سعيداً، وهل تعرفين من جميع أفعال الناس، فعلا واحداً ظفر بالغرض الأكبر الذي يطلبه صاحبه وهو الرضى والبهجة الدائمة، هل ترين اليوم أو رأيت بالأمس أو عثرت من قبل بالسعادة على الأرض؟ أنبئيني أين تسكن وأي مكان تحل، في أي حقل أو أي غاب وأي واد، وعلى أية ربوة وأي جبل، وفي أي إقليم كانت تقطن وفي أية صحراء، وفي أي كوكب من هذه الكواكب التي تستضيء بلهبك وسطعتك، ألعلها تختفي منك في أعماق الكهوف ومكامن البر، ومخابئ البحر، أي حي وأي نبات وأي مخلوق يتمتع بنصيب منها، وأنت التي تجرين النهار والليل دون نوم أو راحة أو ترفيه، عادية في الطريق المستطيل الذي أعد لك ووضع، أتراك سعيدة ناعمة البال أم تراك محزونة معذبة.

أيها الناس. أفيقوا. أفيقوا. إنكم لم تتخلصوا بعد من الحياة، وسيأتي الوقت الذي فيه لا قوة ولا إحساس ولا نبأة تزعجكم من سكون النوم وهدأته، وإذ ذاك تهجعون إلى الأبد دون ملل أو سآمة، إن الموت منحة لم تمنحوها بعد، وهبةٌ لما توهبوها. وإنما تعطون من حين إلى حين شبيهاً له وصورة منه لأن الحياة بدون فترات من الراحة لا تستطيع احتمال نفسها ولا تستطيع الصبر والبقاء، ولذا كان الحرمان من النوم شراً مخيفاً وداعياً إلى النوم المستطيل الأبدي، وما أحقر الحياة وما أضأل، إنكم لأجل حفظها تضطرون إلى طرحها حيناً حتى تستجمع قواها، وتستردوها بعد أن تذيقوها طعم الموت.

إن الساعات الأولى من الصبح لا تزال وإن لم تكن سعيدة أخف احتمالاً على الناس من بقية ساع اليوم ورحلاته. إن الناس جميعاً يحاولون أن يختلقوا لأنفسهم الفرح ويميلون إلى الشعور بالإبتهاج، وإن لم يكن لديهم من أمورهم ما يستحق ذلك، وفي الصباح يقل ألمهم من عبأ الحياة وأوزار العيش، فالرجل الذي كاد اليأس يلتهم روحه قبل أن يتولاه النوم في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015