بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد فهذا هو العدد السادس من السنة الرابعة لهذه المجلة - وهو العدد الذي يلي العددين السابع والثامن من نظامنا الجديد الذي كنا نحونا بالبيان نحوه وحسبناه أردَّ علينا بالفائدة، وأوفى بحاجة الناس، وأوفق لطلبة القراء على اختلاف طبقاتهم، فأخذنا نُصْدره على ذلك ونتسع فيه نفتنُّ في رسومه ونبْسط له اليدين جميعاً وقلنا لعل الناس يقدرون هذا النحو وعسى يكون من ورائه ما نرجوه ذيوعاً وإقبالاً ولعل ثم لعل وعسى ثم عسى، بيْد أنا رأينا إثم ذلك أكبر من نفعه، والخسارة فيه متحققة بين بصر البيان وسمعه، فكأن باب التجربة في مصر لا يفتح على غير الخسارة، ولا يفضى منه إلى غير النعت، ولا يفصل - كسائر التجارب - بين ما هو حق وبين ما هو باطل ولكنه يفصل بين صاحب الحق وبين حقه لا غير. . ومن هنا انتشر علينا الأمر، وتفرق بنا الحزم، وكادت تعصف الحوادث بالبيان عصفاً لولا أن الله لطف في قضائه، وألهمنا صواب الأمر بعد خطائه، فاعتزمنا أن نرجع بالبيان إلى خُطَّته الأولى فنؤثر به المشتركين، لا المشترين، ونخصه - إلا ما لا حفل له - بالعلم والأدب، لا بالحَرْب والحَرَب، ونجعله للأدباء الأخيار، لا لأهل الروايات والأخبار، ثم تممنا الأمر بأن فصلنا وكلاء البيان جميعاً وهم كانوا أصل البلاء، ولم نرا بداً من التطواف بأنفسنا في البلاد مهما تجشمنا في هذه السبيل من التعب ولو إلى حد الأضناء، وكان مما أفدناه في هذه الفترة أن جُلنا في بعض أنحاء القطر ولقينا طوائف كثيرة من قرائنا الأفاضل فتلقونا بصدور يفيض سرورها، وقلوب يسطع نورها، ووجوه تبسم ثغورها، ولقينا منهم الكرم كله، ومن عوارفهم ما لم نكن لننتظر قُلّه، ومن سجاياهم ما أطلق اللسان، ومن مروءتهم ما مكن البيان، ومن محامدهم ما شد هذا البنيان. ثم كان من ذلك أن علمنا الذين صدقوا من المشتركين وعلمنا الكاذبين وجعلنا الخبيث بعضه على بعض فركمناه جميعاً فبترناه من سجلاتنا بتراً، وحذفناه حذفاً. والله المستعان على ما نلقي في هذا الأمر، وبه سبحانه القوى على ما نضعف عنه، ومنه التوفيق لما نسعى إليه، ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015