يدور حول ما هم فيه من واقع الألم والروع. ولكن الأمر خلاف ذلك في صلة الذكر بالأنثى فإنك إن أصغيت إلى شكوى العاشق المهجور ألفيته يقيض في ذكر ما كان يجده أو يرجوه من ملاذ الوصال وفي محاسن معشوقه. ففقدان النعيم هو أكبر ما يشغل باله ويبعث مقاله. وليس يشذ عن هذه القاعدة أشد حالات الهيام وأقصى غايات الوله تلك التي تذهب بعقل ربها وتفضي به إلى المس والخبال وإلى الجنون. فإن المرء إذا استحوذ على روحه فكرة ما. وتسلطت عليه حالة بعينها فإنها تتملكه وتجتازه حتى تحول بينه وبين كل ما عداها، وتهدم من أسوار العقل وحواجزه كل ما يحاول أن يحتويها ويحسبها، وانهدام أحد أسوار العقل هو الجنون. ولا يشترط في ذلك أن تكون الفكرة أو الحالة النفسية هي الحب. بل أي فكرة أو حالة أخرى مليئة أن تسبب هذه النتيجة كما يرى من كثيرة أسباب الجنون وشتى علله. وهذا القول يثبت إن وجد أن الحب خليق أن يحدث نتائج خارقة للعادة لا أن هذه النتائج الخارقة لها أدنى صلة بالألم الإيجابي.

الفصل التاسع

سبب الفرق بين الوجدانات الخاصة يخلة المحافظة

على النفس والوجدانات المرتبطة باجتماع الذكر والأنثى:

لما كان أداء فرائضنا على اختلاف أنواعها متوقفاً على الحياة. وكان أداء هذه الفرائض بجد وجدوا حسان وإتقان متوقفاً على الصحة فلا غرو إن كنا نتأثر أشد التأثر بكل ما يتهدد سلامة هذه أو تلك ولما كانت مطامع الإنسان وآماله لا تنتهي عند إحراز الحياة والصحة أصبح وجدان هاتين النعمتين غير مشفوع بلذة محسة لئلا تقنع بهذه اللذة فنكسل وتفتر همتنا ونجنح إلى القعود والتواني. بل إن الله سبحانه وتعالى جعل التناسل غرضاً عظيماً سامياً فحدا إليه البشر بأقوى البواعث فأصبح لذلك مقروناً بأكبر اللذات وأحد الشهوات. ومن جهة أخرى لما كان هذا الأمر (التناسل) لم يرد منه أن يكون شغلنا الشاغل المستنفد جميع قوانا وأوقاتنا فمن الحكمة أن لا يكون فقد اللذة المقرونة به مشفوعاً بشديد الألم. والفرق بين البشر والحيوان في هذا الصدد جدير بالنظر. فالناس مستعدون في جميع الأوقات على السواء لمباشرة لذات العشق لأن عقلهم في ذلك دليلهم من حيث وقت قضاء هذه اللذات والصورة التي يقضونها عليها. فلو أن عدم هذه الملاذ كان مشفوعاً بشديد الألم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015