كل عمل بعمله بحثاً وتفكيراً. ويريدنا على أن نتداول كل كلمة يقولها شرحاً وتفسيراً. ويطالبنا بأن ننهض لحسناته تحبيذاً وتفكيراً. لأن الناس يستحبون الحمية، وإن لم يكونوا هم مادتها. ويتطلبون الحرارة النفسية، وإن لم يكونوا هم أنفسهم نشأتها. ولا تقوى أعصاب الأمة إلا بالمصل الذي يحقنها به قادتها. ولا تشتد عضلاتها إلا بالحركات الرياضية التي يمرنها عليها رجالاتها، وكان خليقاً بقادة الشعوب أن يكونوا أعلم بطب النفوس، وأخبر بالأدوية النواجع التي توافق أمزجة شعوبهم.

هذا ولو لم تكن الجمعية التشريعية تضم بين أعضاءها صفوة رجال الأمة، وخلاصة مجموعها. لما رأيت من عرض الأمة فرداً واحداً متنبهاً متيقظاً. ولأسدل السبات ستره على الأمة والجمعية معاً. فلا تكون محاضر الجمعية إلا مواعيد نوم تبتدئ وتنتهي بدقات أجراس أول من ينام وأول من يصحو من أعضائها، وإذن لما سمعت في النوادي والمجتمعات والأسمار هذه الشروح القيمة. والتأويلات الجليلة. والاستنباطات الدقيقة والاستنتاجات الثمينة. والاقتراحات السديدة. والآراء الوجيهة. التي يلقاك بها القوم على اختلاف طبقاتهم. وتباين أقدارهم. وتعدد أوساطهم. ولما رأيت نبض السياسة على ما شهدت من قوة. وعاينت من ضربان وانتظام.

وهذه الروح السياسية القويمة: وهذا التطور الفلسفي الذي وثبت إليه الأمة: هما فيض من روح رجل عظيم: كان أكبر ثمرة جادت بها الأقدار على هذا البلد المجدب رجالاً: الخصيب زرعاً، المريع نباتاً: بل هو المادة الواسعة التي يتغذى منها تاريخ مصر الحديث: وهو الكوكب الإنساني الذي في كل قلب مصري منه وميض: وفي كل عقل مصري من سناه قبس وضياء. وفي كل نفس مصرية من وهجه شعاع ولألاء. ولا أحسب القارئ يعوزه بعد ذلك التفهيم. ولا ظنه بحاجة إلى زيادة الإيضاح والتبيين: - بلى: هو سعد زغلول باشا قائد الأمة اليوم: ووزيرها بالأمس: وقاضيها من قبل ذلك ومحاميها، بل هو أول محام راح في الأمة قاضياً: وأول قاض كان وزيراً: وأول وزير أضحى في هذا الجيل نائبا!.

وأنت فستقرأ في الصفحات الآتية تاريخه الحافل بالعظائم: وتعي ترجمته المترعة بالمحاسن والمكارم: فتتبين لنفسك كيف يكون العظيم في قوة الإرادة: وما قوة الإرادة إلا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015