عش لحظتك وكن ابن يومك

ثم يبين الله لنا جل وعلا أن الإنسان ينبغي أن يكون ابن يومه، وألا يتكلف أحداثاً لم تقع، وألا يقف فيخشى الغيب أكثر مما هو مطلوب، قال تعالى: {قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} [الكهف:19]، دعونا من هذا السؤال الذي لا طائل من ورائه ولنحيا قضيتنا، وكذلك ينبغي على كل امرئ، وعلى أهل الساسة والقادة وأهل الفكر أن يعيشوا واقع الأمة المعاصر، وأن يحاولوا أن يجدوا لها من واقعها ما تلتئم به جراحها.

أما الإكثار من غيبيات لم تأت بعد، ولم يأذن الله بوقوعها بعد، أو الإغراق في قراءة التاريخ السابق والأيام الماضية دون أن نصنع شيئاً لحاضرنا ليس من العقل بمكان: مضى السلف الأبرار يعبق ذكرهم فسيروا كما ساروا على الدرب واسمعوا ولا خير في الماضي إذا لم يكن له من الحاضر الزاهي بناء مرفع فهؤلاء الفتية الموسومون قرآنياً بزيادة الهدى يقولون: {قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} [الكهف:19]، إذاً: فقضيتهم هي الجوع الذي نحن فيه، أي: أصحاب الكهف: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} [الكهف:19].

أحياناً يمر معك -أيها المبارك- أن المفسرين يختلفون في المعنى؛ وذلك لأن المفتاح الذي ينظرون إليه يختلف، فإذا اختلف الباب الذي يلجون منه فلا بد أن يختلف المشهد الذي يرونه، فبعض العلماء نظر إلى أن كلمة أزكى هنا بمعنى: الطهر والنقاء، فذهبوا إلى وصف أولئك الفتية بالورع والخوف على أنفسهم في الدين، وآخرون نظروا إلى أن أزكى هنا بمعنى: النماء والزيادة والترف، ففهموا أن هؤلاء الفتية أبناء ملوك وأثريا وأغنياء وليسوا بقليلي الحظ في مجتمعهم، وهذا المفتاح يهون عليك أن تتقبل خلافات المفسرين في كثير من القضايا: {أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} [الكهف:19]، حصل لهم ذلك ثم تبينت للناس بعد ذلك أمور وأمور نجم عنها معرفة أن هؤلاء القوم كانوا قد ضرب الله جل وعلا على آذانهم في الكهف سنين عدداً، ونجم من ذلك تقديس الذوات وهو المنهي عنه شرعاً، قال: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} [الكهف:21]، وهو ما أراد القرآن أن يحذرنا منه؛ لأن السنة حاكمة ومبينة للقرآن.

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ولعن من جعلوا قبور أنبيائهم مساجد.

هذا ما تيسر إيراده، وتهيأ إعداده، وإلا ففي قصة أصحاب الكهف معان زاخرة لم يعن الوقت على أكثر من هذا.

نسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى، وصل اللهم على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015