لسان الحكام (صفحة 77)

رجل دخل بدابته خَانا وَقَالَ للخاني أَيْن أربطها فَقَالَ هُنَاكَ فربطها وَذهب فَلَمَّا رَجَعَ لم يجد دَابَّته فَقَالَ لَهُ صَاحب الخان إِن صَاحبك قد أخرج الدَّابَّة ليسقيها وَلم يكن لَهُ صَاحب ضمن الخاني لِأَن قَوْله أَيْن أربطها استحفاظ مِنْهُ لَهُ فَإِذا أَشَارَ لَهُ إِلَى مَوضِع الرَّبْط فقد أَجَابَهُ إِلَى الْحِفْظ فَصَارَ مودعا وَقد قصر فِي الْحِفْظ فَيضمن الْجُمْلَة منتخبة من الْعِمَادِيّ

الْفَصْل الْعَاشِر فِي الْوَقْف

قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى لَا يَزُول ملك الْوَاقِف عَن الْوَقْف إِلَّا أَن يحكم بِهِ الْحَاكِم أَو يعلقه بِمَوْتِهِ فَيَقُول إِذا مت فقد وقفت دَاري على كَذَا وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله يَزُول الْملك بِمُجَرَّد القَوْل وَقَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى لَا يَزُول حَتَّى يَجْعَل للْوَقْف وليا ويسلمه إِلَيْهِ كَذَا فِي الْهِدَايَة

وَفِي جَامع الْفَتَاوَى الْوَقْف عِنْد الامام رَحمَه الله تَعَالَى على ثَلَاثَة أوجه فِي وَجه لَا يلْزم وَهُوَ مَا إِذا وقف فِي صِحَّته وَذكر شَرَائِط الصِّحَّة وَفِي وَجه لَا يلْزم فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَهُوَ مَا إِذا وقف فِي مرض مَوته فَهُوَ كالوقف حَال الصِّحَّة وروى الطَّحَاوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى أَنه كالمضاف إِلَى مَا بعد مَوته وَالثَّالِث أَن يذكر شَرَائِط صِحَة الْوَقْف فِي حَيَاته ويجعله وَصِيَّة بعد مماته بِأَن يَقُول أوصيت بغلة دَاري هَذِه أَو أرضي هَذِه أَو يَقُول جعلت ملكي هَذَا وَقفا فتصدقوا بِهِ بعد وفاتي على كَذَا أَو يَقُول يُوقف ملكي هَذَا إِلَى كَذَا فَيجوز من الثُّلُث وَيلْزم وَعِنْدَهُمَا الْوَقْف جَائِز لَازم فِي صِحَّته ومرضه بِدُونِ هَذِه التكليفات

قَالَ صَاحب المنبع وَفِي التَّتِمَّة والعيون والحقائق الْفَتْوَى على قَوْلهمَا وَالنَّاس لم يَأْخُذُوا بقول أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فِي هَذَا للآثار الْمَشْهُورَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالصَّحَابَة وتعامل النَّاس وَكَانَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول أَولا بقول أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى لكنه لما حج مَعَ هَارُون الرشيد وَرَأى أوقاف الصَّحَابَة بِالْمَدِينَةِ ونواحيها رَجَعَ وافتى بِلُزُوم الْوَقْف وَقَالَ بَلغنِي حَدِيث عمر وَهُوَ مَا روى ابْن عمر أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَانَت لَهُ أَرض تدعى ثمغ فَقَالَ عمر يَا رَسُول الله إِنِّي اسْتَفَدْت مَالا وَهُوَ عِنْدِي نَفِيس أفأتصدق بِهِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تصدق بأصلها لَا يُبَاع وَلَا يُوهب وَلَا يُورث وَلَكِن توقف ثَمَرَته على الْمَسَاكِين قَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى فَلهَذَا رجعت فَلَو بلغ هَذَا أَبَا حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى لرجع قلت ذكر البزازي فِي جَامعه أَنه لَا حجَّة لَهُم فِي ذَلِك على الامام رَحمَه الله تَعَالَى فَإِنَّهُ نفى اللُّزُوم لَا الصِّحَّة فِي الْمَذْهَب الصَّحِيح والوجود لَا يدل على اللُّزُوم وَلَئِن سلم أَنه لَا يَصح عِنْده فَعدم الصِّحَّة غير مُسْتَغْرق لأفراده بل يَصح الْمُضَاف والمحكوم بِجَوَازِهِ فَلم لَا يجوز أَن يكون الْوَقْف الْمَوْجُود من تِلْكَ الْأَفْرَاد صَحِيحا فَكيف يَصح الطعْن على سيد التَّابِعين بِأَنَّهُ لم يُشَاهد الْأَوْقَاف فِي الْحَرَمَيْنِ مَعَ أَنه حج خمْسا وَخمسين حجَّة وَلَقي فِيهَا الصَّحَابَة وَبِذَلِك حكمنَا بِأَنَّهُ من التَّابِعين الَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدّين رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَرَضوا عَنهُ فَأنى سَاغَ الطعْن بِعَدَمِ الْوُقُوف مَعَ ذَلِك العكوف انْتهى

وَلَو وقف فِي مرض مَوته قَالَ الطَّحَاوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى هُوَ بِمَنْزِلَة الْوَصِيَّة بعد الْمَوْت وَالصَّحِيح أَنه لَا يلْزم عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى لِأَنَّهُ فِي الْمَرَض كَالْوَصِيَّةِ وَهِي لَا تجوز لوَارث دون وَارِث

طور بواسطة نورين ميديا © 2015