الغيظ، حين ترى نعمة في يد آخرين، تتمنى لنفسها الحصول عليها وإن كان عندها مثلها، أو تتمنى زوالها عن صاحبها وإن لم تقبلها لنفسها، أو تتمنى بقاء المحروم محروماً لا ينعم عليه بشيء، نار في تلك القلوب تتأجج كلما رأت نعمة عند الغير، لا يطفئها إلا زوال هذه النعمة، وقديماً قيل: كل الأعداء أستطيع إرضاءهم إلا الحاسد، فإنه لا يرضيه إلا زوال نعمتي. نعم أودع الله نفوساً هذا الشر، وجعل لهذا التوجه منها أثراً يصيب المحسود بالأذى، امتحاناً للحاسد، وقد أعطاه الله سلاحاً للشر، وطلب منه عدم استعماله، وامتحاناً للمحسود، وقد أمر باللجوء إلى الله ودعائه، ليثاب بعبادة الدعاء، وليشعر بالفضل حين رفع البلاء، فيشكر على السراء، بعد أن صبر على الضراء، قال تعالى {قل أعوذ برب الفلق* من شر ما خلق* ومن شر غاسق إذا وقب* ومن النفاثات في العقد* ومن شر حاسد إذا حسد} و {وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين* وأعوذ بك رب أن يحضرون} [المؤمنون: 97، 98] وكما أودع في بعض النفوس هذه القوة المعنوية من الشر، أودع في عيون بعض الناس سهاماً شريرة تصل إلى النعم فتهلكها، أو إلى الأشخاص فتقتلها، حتى قال فيها صلى الله عليه وسلم "علام يقتل أحدكم أخاه"؟ و"العين حق". "ولو كان شيء يسبق القدر في إنجاز الشر لكانت العين". "وأكثر من يموت، بعد قضاء الله وقدره، بالنفس" أي بإصابة العين، والعين تدخل الجمل القدر، والرجل القبر.

وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعية وتعاويذ، نحصن بها أنفسنا من الحسد والعين، وأدعية وتعاويذ تشفي من آثار الحسد والعين، وعلمنا أن اللجوء إلى الله عند الأمراض هو أساس الشفاء، ولا شافي إلا هو، ولا شفاء إلا شفاؤه.

وقد كانت الرقى والتعاويذ معروفة عند العرب وغيرهم قبل الإسلام، لكنها كانت بطلاسم وبعبارات كفر وبالتجاء إلى غير ملجأ، فقال صلى الله عليه وسلم: اعرضوا على رقاكم، فعرضوها، فأقر ما ليس بشرك ونهي عما فيه شرك.

وعرف المسلمون الرقى الجائزة شرعا فرقوا أنفسهم وغيرهم بها، وعرفوا الرقى الممنوعة شرعاً فاجتنبوها، وخير الرقى ما كان بكتاب الله، وبما ورد في الحديث الصحيح من ذكر الله.

وها هو أبو سعيد الخدري رضي الله عنه يرقي لديغاً من حية أو عقرب بقراءته فاتحة الكتاب على مكان اللدغ مرات، فيبرأ المريض، ويشفى من سم العقرب بإذن الله.

ولله أسرار في كلامه، ولله أسرار في خلقه، ولله أسرار في الأمراض، ولله أسرار في الشفاء، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، {وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير} [الأنعام: 18].

-[المباحث العربية]-

(العين والحسد والرقى) المراد من العين هنا النظر باستحسان شديد، إلى النعمة، مع الانبهار والشهوة، والتوجه إليها بمشاعر الإعجاب، وقد يحصل من الأعمى، بتوجه نفسه هذا التوجه، وإنما نسب إلى العين لأن أغلب هذا يكون بها، يقال: عان الحاسد فلاناً،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015