. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ ذَاكَ كَانَ تَوْكِيلًا وَقَدْ قَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ بِلَا نَكِيرٍ فَكَانَ شَرِيعَةً لَنَا.

وَالسُّنَّةُ وَهِيَ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَّلَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ بِشِرَاءِ الْأُضْحِيَّةِ وَعُرْوَةَ الْبَارِقِيَّ بِهِ أَيْضًا، وَوَكَّلَ عُمَرَ بْنَ أُمِّ سَلَمَةَ بِالتَّزْوِيجِ» .

وَالْإِجْمَاعُ فَإِنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى جَوَازِهَا مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَكَذَا الْمَعْقُولُ يَدُلُّ عَلَيْهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ.

وَأَمَّا سَبَبُهَا فَتَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمُقَدَّرِ بِتَعَاطِيهَا كَمَا فِي سَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ.

وَأَمَّا رُكْنُهَا: فَالْأَلْفَاظُ الَّتِي تَثْبُتُ بِهَا الْوَكَالَةُ كَلَفْظِ وَكَّلْت وَأَشْبَاهِهِ. رَوَى بِشْرُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ أَحْبَبْت أَنْ تَبِيعَ عَبْدِي هَذَا أَوْ هَوَيْت أَوْ رَضِيت أَوْ شِئْت أَوْ أَرَدْت فَذَاكَ تَوْكِيلٌ وَأَمْرٌ بِالْبَيْعِ.

وَأَمَّا شَرْطُهَا: فَأَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَتَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ، وَسَتَعْرِفُهُ مَشْرُوحًا.

وَأَمَّا صِفَتُهَا: فَهِيَ أَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ حَتَّى يَمْلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ الْعَزْلَ بِدُونِ رِضَا صَاحِبِهِ.

وَأَمَّا حُكْمُهَا: فَجَوَازُ مُبَاشَرَةِ الْوَكِيلِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مُخْتَصَرِهِ (كُلُّ عَقْدٍ جَازَ أَنْ يَعْقِدَهُ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ جَازَ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ غَيْرَهُ) هَذِهِ ضَابِطَةٌ يَتَبَيَّنُ بِهَا مَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِهِ لِأَحَدٍ، فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهَا أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَجُوزُ لَهُ عَقْدُ بَيْعِ الْخَمْرِ وَشِرَائِهَا بِنَفْسِهِ. وَلَوْ وَكَّلَ ذِمِّيًّا بِذَلِكَ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ إبْطَالَ الْقَوَاعِدِ بِإِبْطَالِ الطَّرْدِ لَا الْعَكْسِ عَلَى مَا نَصُّوا عَلَيْهِ. وَالْعَجَبُ هَاهُنَا أَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِذَلِكَ حَيْثُ أَجَابَ عَنْ الِاعْتِرَاضِ بِالصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنَّ الْعَكْسَ غَيْرُ لَازِمٍ وَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ.

قَالَ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: هَذِهِ ضَابِطَةٌ يَتَبَيَّنُ بِهَا مَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ انْتَهَى، فَإِنَّ الْعَكْسَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا وَلَا مَقْصُودًا فِي الضَّوَابِطِ كَيْفَ يَتَبَيَّنُ بِهَذِهِ الضَّابِطَةِ مَا لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِهِ، وَقَدْ اُعْتُرِضَ عَلَى طَرْدِ هَذِهِ الضَّابِطَةِ بِوُجُوهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْوَكِيلَ جَازَ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ بِنَفْسِهِ، وَإِذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ لَا يَجُوزُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْإِنْسَانَ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ وَكَّلَ غَيْرَهُ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَجُوزُ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ الذِّمِّيَّ يَمْلِكُ بَيْعَ الْخَمْرِ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ الْمُسْلِمَ بِبَيْعِهَا.

وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ يَعْقِدُهُ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ هُوَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَبِدًّا بِهِ وَالْوَكِيلُ لَيْسَ كَذَلِكَ.

وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ مَحَلَّ الْعَقْدِ مِنْ شُرُوطِهِ لِكَوْنِ الْمَحَالِّ شُرُوطًا عَلَى مَا عُرِفَ، وَذَاكَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي التَّوْكِيلِ بِالِاسْتِقْرَاضِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ الَّتِي اسْتَقْرَضَهَا الْوَكِيلُ مِلْكَ الْمُقْرِضِ وَالْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بَاطِلٌ، وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّهُ مُقَرِّرٌ لِلنَّقْضِ لَا دَافِعٌ. وَدُفِعَ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّخَلُّفِ لِمَانِعٍ، وَقَيْدُ عَدَمِ الْمَانِعِ فِي الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ غَيْرُ لَازِمٍ، وَنُقِضَ بِالتَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَمَا ذَكَرْتُمْ مَوْجُودٌ فِيهِ. وَفُرِّقَ بِأَنَّ مَحَلَّ عَقْدِ الْوَكَالَةِ فِي الشِّرَاءِ هُوَ الثَّمَنُ وَهُوَ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ، وَفِي الِاسْتِقْرَاضِ الدَّرَاهِمُ الْمُسْتَقْرَضَةُ وَهِيَ لَيْسَتْ مِلْكَهُ.

وَقِيلَ: هَلَّا جَعَلْتُمْ الْمَحَلَّ فِيهِ بَدَلَهَا وَهُوَ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ؟ وَدُفِعَ بِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّ التَّوْكِيلِ بِإِيفَاءِ الْقَرْضِ لَا بِالِاسْتِقْرَاضِ، هَذَا نِهَايَةُ مَا فِي الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بَاطِلٌ كَذَلِكَ التَّصَرُّفُ بِنَفْسِهِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بَاطِلٌ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِقْرَاضُ بِنَفْسِهِ أَيْضًا بَاطِلًا بِنَاءً عَلَى هَذَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُدْفَعَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ بِنَفْسِهِ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وَهُوَ عِبَارَتُهُ دُونَ مِلْكِ غَيْرِهِ وَهُوَ الدَّرَاهِمُ الْمُسْتَقْرَضَةُ. وَأَمَّا الْمَأْمُورُ بِالِاسْتِقْرَاضِ فَإِنْ تَصَرَّفَ فِي عِبَارَةِ نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ لِلْمُقْرِضِ مَثَلًا أَقْرِضْنِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كَانَ الِاسْتِقْرَاضُ لِنَفْسِهِ لَا لِلْآمِرِ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ الْعَشَرَةَ مِنْ الْآمِرِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَإِنْ تَصَرَّفَ فِي عِبَارَةِ الْآمِرِ بِأَنْ قَالَ مَثَلًا: إنَّ فُلَانًا يَسْتَقْرِضُ مِنْك عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَفَعَلَ الْمُقْرِضُ كَانَتْ الْعَشَرَةُ لِلْآمِرِ، وَلَكِنَّ الْمَأْمُورَ يَصِيرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ رَسُولًا لَا وَكِيلًا، وَالْبَاطِلُ هُوَ الْوَكَالَةُ فِي الِاسْتِقْرَاضِ دُونَ الرِّسَالَةِ فِيهِ، فَإِنَّ الرِّسَالَةَ مَوْضُوعَةٌ لِنَقْلِ عِبَارَةِ الْمُرْسِلِ، فَالرَّسُولُ مُعَبِّرٌ وَالْعِبَارَةُ مِلْكُ الْمُرْسِلِ، فَقَدْ أَمَرَهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ بِاعْتِبَارِ الْعِبَارَةِ فَيَصِحُّ فِيمَا هُوَ حَقُّهُ.

وَأَمَّا الْوَكَالَةُ فَغَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِنَقْلِ عِبَارَةِ الْمُوَكِّلِ بَلْ الْعِبَارَةُ لِلْوَكِيلِ فَلَا يُمْكِنُنَا تَصْحِيحُ هَذَا الْأَمْرِ بِاعْتِبَارِ الْعِبَارَةِ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ. بَقِيَ هَاهُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ مَا ذُكِرَ مَنْقُوضٌ بِجَوَازِ التَّوْكِيلِ بِالِاسْتِيهَابِ وَالِاسْتِعَارَةِ؛ وَسَيَأْتِي تَمَامُ بَحْثِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأُجِيبَ عَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ الذِّمِّيَّ كَمَا يَمْلِكُ بَيْعَ الْخَمْرِ بِنَفْسِهِ يَمْلِكُ تَوْكِيلَ غَيْرِهِ بِبَيْعِهَا أَيْضًا، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ ذِمِّيًّا آخَرَ بِبَيْعِهَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ هَاهُنَا لِمَعْنًى فِي الْمُسْلِمِ، وَهُوَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالِاجْتِنَابِ عَنْهَا وَفِي جَوَازِ التَّوْكِيلِ بِبَيْعِهَا اقْتِرَابُهَا فَكَانَ ذَلِكَ أَمْرًا عَارِضًا فِي الْوَكِيلِ، وَالْعَوَارِضُ لَا تَقْدَحُ فِي الْقَوَاعِدِ، حَتَّى أَنَّ قَائِلًا لَوْ قَالَ: كُلُّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْحَائِضُ وَالْمُحَرَّمَةُ، هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي أَكْثَرِ الشُّرُوحِ. وَأَجَابَ عَنْهُ صَاحِبُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015