وقد يكون بعض من يضع الأحاديث يريد التَّقَرُّبَ بها إلى الملوك، كما ذكروا أن أحد الوضَّاعين دخل على المهدي وإذا المهدي -وهو خليفة- يلعب الحمام، يُطَيِّرُهُ من هنا، ويقع هنا، فيعجبه طيرانه من هنا ومن هنا، فيقول: إذا سبقت الحمامة الفلانية أو التي لونها كذا فَعَلَيَّ كذا، فأراد الوَضَّاعُ أن يفتري حديثا يقوِّي فعل المهدي، فروى حديثاً فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا سَبَق إلا في نَصل أو خُفٍ أو حافرٍ أو جناح) فكلمة (جناح) زادها كذباً من قِبَل نفسه، يريد بذلك الجائزة وقد أعطاه عشرة آلاف درهم، فلما خرج قال المهدي: أشهد أن قفاك قفا كذاب، ثم قال المهدي: أنا الذي حملته على الكذب، ثم أمر بالحمام فذُبح، فهذا كذب للتقرب إلى الملوك، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال (أو جناح) .

وهناك من يكذب احتساباً كما رُوِيَ أن بعض القصاص ونحوهم يضعون على الرسول صلى الله عليه وسلم أحاديث في فضل السنة، وفي فضائل الأعمال، وما أشبهها فقيل لهم: كيف والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من كذب عليَّ متعمداً فيتبوأ مقعده من النار) فقالوا: نحن ما كذبنا عليه، إنَّما كذبنا له، أي ننصر بذلك سنته، ونجلب الناس إلى شرعه، فنكذب في فضائل الأعمال، لأجل أن نرغب الناس فيها بأحاديث في فضل الصلاة وأحاديث في فضل الجهاد، وأحاديث في فضل الأعمال، وفعل الخيرات وما أشبهها، فيُقال لهم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد عمم في قوله: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) وهذا آخر الكلام على هذه المنظومة.

والله أعلم وأحكم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015