أوصى تلاميذي بقراءة هذا الكتاب ليس وفاء لأستاذي فحسب، وإنما بكل الحيدة والموضوعية؛ لأن ما زلت أرى أن هذا الكتاب لم يزل محتفظا بقيمته العلمية حتى اليوم؛ لأنه يبسط أفكارا وأصولا في ميدان علم اللغة لا يستغني أي دارس لهذا العلم في معرفتها قبل أن يخوض في مدارسه ونظرياته التي تشعبت وتطورت تطورا هائلا منذ وفاة الدكتور السعران حتى الآن.

ومنذ الوهلة الأولى التي تقع فيها العين على عنوان الكتاب: "علم اللغة، مقدمة للقارئ العربي "ط. أولى 1962" نشعر مباشرة أننا أمام علم لم يكن -آنذاك- مألوفا -وأظنه ما زال- للقارئ العربي، وإن كانت المعرفة به ودارسته قد أحرزت قدرا غير قليل من التقدم في المعاهد والجامعات العربية ومن ثم يسعى الدكتور السعران -يرحمه الله- إلى تقديم أصول هذا العلم ومبادئه بصورة واضحة وبسيطة لا تخل بالموضوع وعلميته، ولذلك حرص منذ بداية الكتاب على وضع هذه الأصول في إطارها التاريخي جنبا إلى جنب مع طرق التحليل اللغوي التي استقر عليها الفكر اللغوي آنذاك. يقول في مقدمة الكتاب:

"وأنا لم ألتزم في جملة ما عرضت مذهبا بعينه في كل أصوله وفروعه من مذاهب الدرس اللغوي المتعددة، بل ركنت إلى التعريف بالأصول العامة التي ارتضيتها والتي قل أن يختلف فيها أصحاب هذا العلم، مع بيان مصادرها ومذاهب أصحابها في معظم الأحوال، مع الإشارة في الوقت نفسه إلى الآراء المخالفة الصادرة عن مذاهب أخرى، حتى يكون القارئ على بينة من المذاهب اللغوية المختلفة، وعلى دراية بالفلسفات التي قامت عليها، وعلى علم بأهم المؤلفات فيها، فلا يضل الطريق في زحمتها عندما يتاح له الاتصال بشيء منها"1

وبالرغم من هذه الحيدة، إلا أننا نلمح بجانب الالتزام بالإطار التاريخي، التزاما آخر يتمثل في "نظرية فيرث"2 التي كان يستهدي بها في تقديم ترجيحاته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015