النِّكَاحُ التَّزَوُّجُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَالنِّكَاحُ الْمُجَامَعَةُ أَيْضًا وَاسْتَشْهَدَ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِ الْأَعْشَى

فَلَا تَقْرَبَنَّ جَارَةً إنَّ سِرَّهَا ... عَلَيْكَ حَرَامٌ فَانْكِحَنْ أَوْ تَأَبَّدَا

أَيْ تَوَحَّشْ وَتَفَرَّدْ وَالسِّرُّ الْجِمَاعُ وَقَوْلُهُ تَأَبَّدَا أَرَادَ بِهِ تَأَبَّدَنْ بِنُونٍ خَفِيفَةٍ هِيَ لِلتَّأْكِيدِ وَأَبْدَلَ مِنْهَا أَلِفًا لِلْوَقْفِ كَمَا فِي الِاسْمِ الْمُنَوَّنِ وَاسْتَشْهَدَ لِلثَّانِي بِقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ

التَّارِكِينَ عَلَى طُهْرٍ نِسَاءَهُمْ ... وَالنَّاكِحِينَ بِشَطَّيْ دِجْلَةَ الْبَقَرَا

يَهْجُو قَوْمًا بِأَنَّهُمْ يَتْرُكُونَ نِسَاءَهُمْ فَلَا يَطَئُونَهُنَّ مَعَ طُهْرِهِنَّ وَيُجَامِعُونَ الْبَقَرَ عَلَى جَانِبَيْ دِجْلَةِ بَغْدَادَ وَأَصْلُهُ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ يُقَالُ أَنْكَحْنَا الْفَرَا فَسَنَرَى وَالْفَرَأُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ وَالْآخِرُ مَهْمُوزٌ مَقْصُورٌ هُوَ حِمَارُ الْوَحْشِ أَيْ جَمَعْنَا بَيْنَ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ وَبَيْنَ أُنْثَاهُ وَسَنَنْظُرُ إلَى مَا يَحْدُثُ مِنْهُمَا يُضْرَبُ مَثَلًا لِلْأَمْرِ يُنْتَظَرُ وُقُوعُهُ وَلَا يُدْرَى كَيْفَ يَقَعُ «وَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنْتَ كَمَا قِيلَ كُلُّ الصَّيْدِ فِي جَوْفِ الْفَرَا» أَيْ مَنْ اصْطَادَ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ كَأَنَّهُ صَادَ كُلَّ الصَّيُودِ يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ سَيِّدُ قَوْمِهِ وَإِسْلَامُهُ سَبَبُ إسْلَامِ الْكُلِّ وَجَمْعُهُ الْفِرَاءُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَمَدِّ الْآخِرِ وَقَالَ الْمُتَنَبِّي فِي النِّكَاحِ بِمَعْنَى الضَّمِّ

أَنْكَحْتُ صُمَّ صَفَاهَا خُفَّ يَعْمَلَةٍ ... تَغَشْمَرَتْ بِي إلَيْكَ السَّهْلَ وَالْجَبَلَا

أَيْ ضَمَمْتُ بَيْنَ صُمِّ الصَّفَا وَبَيْنَ خُفِّ الْيَعْمَلَةِ وَالصُّمُّ جَمْعُ أَصَمَّ وَهُوَ الصَّخْرُ الَّذِي لَا خَرْقَ فِيهِ وَلَا صَدْعَ وَالصَّفَا الْحَجَرُ الْأَمْلَسُ وَالصَّفْوَانُ كَذَلِكَ وَالْيَعْمُلَةُ النَّاقَةُ الْقَوِيَّةُ عَلَى الْعَمَلِ تَغَشْمَرَتْ أَيْ تَعَسَّفَتْ وَقَالَ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ تَغَشْمَرَهُ أَيْ أَخَذَهُ قَهْرًا وَقَالَ فِي مُجْمَلِ اللُّغَةِ الْغَشْمَرَةُ إتْيَانُ الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ تَثَبُّتٍ وَمَعْنَى الْبَيْتِ جَمَعْتُ وَضَمَمْتُ بَيْنَ حِجَارَةِ هَذِهِ الْمَفَازَةِ وَبَيْنَ خُفِّ نَاقَةٍ لِي قَوِيَّةٍ مَالَتْ بِي يَمِينًا وَشِمَالًا سَهْلًا وَجَبَلًا إلَيْكَ أَيُّهَا الْمَمْدُوحُ هَذَا تَخْرِيجُ أَهْلِ الْإِتْقَانِ مِنْ الْعُلَمَاءِ لِهَذَا الْبَيْتِ وَلِهَذَا الْمَثَلِ وَالْأُدَبَاءُ يَحْمِلُونَهَا عَلَى الْمَجَازِ مِنْ الْعَقْدِ فَيَقُولُونَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ زَوَّجْنَا الْعَيْرَ أَتَانًا فَسَنَنْظُرُ كَيْفَ يُولَدُ لَهُمَا وَمَعْنَى قَوْلِ الْمُتَنَبِّي زَوَّجْتُ حَجَرَ هَذِهِ الْمَفَازَةِ خُفَّ النَّاقَةِ وَزَفَفْتُهَا إلَيْهِ فَهُوَ يَفْتَضُّهَا وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ عَنْ الْجُرْحِ وَالتَّدْمِيَةِ وَقَدْ جَاءَ ذِكْرُ النِّكَاحِ فِي الْقُرْآنِ لِلْعَقْدِ وَجَاءَ لِلْوَطْءِ وَجَاءَ وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْقُدَمَاءُ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَجَاءَ وَتَكَلَّمَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْمَشَايِخِ أَمَّا لِلْعَقْدِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ} [النساء: 3] وَقَوْلُهُ {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} [النساء: 25] وَقَوْلُهُ {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] وَأَمَّا لِلْوَطْءِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] أَيْ إذَا بَلَغَ الْيَتَامَى وَقْتَ الْقُدْرَةِ عَلَى وَطْءِ النِّسَاءَ وَأَمَّا الَّذِي اخْتَلَفَ فِيهِ الْقُدَمَاءُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] فَعِنْدَنَا مَعْنَاهُ وَلَا تَطَئُوا مَا وَطِئَ آبَاؤُكُمْ وَيَتَنَاوَلُ ذَلِكَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015