صفوه التفاسير (صفحة 846)

العصبة: الجماعة الذين يتعصب بعضهم لبعض.

سَبَبُ النّزول: أ - روي أن امرأةً تُدعى «ام مهزول» كانت من البغايا فكانت تُسافح الرجل وتشرط أن تنفق عليه، فأراد رجل من المسلمين أن يتزوجها فذكر ذلك لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فأنزل الله {الزانية لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} الآية.

ب - عن ابن عباس أن «هلال بن أُمية» قذف امرأته عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ب «شريك بن سحماء» فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «البيتةُ أو حدٌّ في ظهرك» فقال يا رسول الله: إذا رأى أحدنا مع امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة؟ والذي بعثك بالحق إني لصادقٌ، ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فنزلت {والذين يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ. .} الآية.

التفسِير: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا} أي هذه سورة عظيمة الشأن من جوامع سور القرآن أوحينا بها إليك يا محمد {وَفَرَضْنَاهَا} أي أوجبنا ما فيها من الأحكام إيجاباً قطعياً {وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} أي أنزلنا فيها آياتٍ تشريعية، واضحات الدلالة على أحكامها، لتكون لكم - أيها المؤمنون - قبساً ونبراساً، وتكريرُ لفظ الإِنزال كمال العناية بشأنها فكأنه يقول: ما أنزلتها عليكم لمجرد التلاوة وإنما أنزلتها للعمل والتطبيق {لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي لكي تعتبروا وتتعظوا بهذه الأحكام وتعملوا بموجبها، ثم شرع تعالى بذكر الأحكام وبدأ بحد الزنى فقال {الزانية والزاني فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} أي فيما شرعت لكم وفرضت عليكم أن تجلدوا كل واحدٍ من الزانيين - غير المحصنين - مائة ضربة بالسوط عقوبة لهما على هذه الجريمة الشنيعة {وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله} أي لا تأخذكم بهما رقة ورحمة في حكم الله تعالى فتحففوا الضرب أو تنقصوا العدد بل أوجعوهما ضرباً قال مجاهد: لا تعطلوا حدود الله ولا تتركوا إقامتها شفقة ورحمة {إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر} هذا من باب الإِلهاب والتهييج أي إن كنتم مؤمنين حقاً تصدقون بالله وباليوم الآخر، فلا تعطلوا الحدود ولا تأخذكم شفقة بالزناة، فإن جريمة الزنى أكبر من أن تستدر العطف أو تدفع إلى الرحمة {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ المؤمنين} أي وليحضر عقوبة الزانيين جماعةٌ من المؤمنين، ليكون أبلغ في زجرهما، وأنجع في ردعهما، فإنَّ الفضيحة قد تنكل أكثر مما ينكل التعذيب {الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} أي الزاني لا يليق به أن يتزوج العفيفة الشريفة، إنما ينكح مثله أو أخسَّ منه كالبغيّ الفاجر، أو المشركة الوثنية {والزانية لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} أي والزانية لا يليق أن يتزوج بها المؤمن العفيف، إنما يتزوجها من هو مثلها أو أخسَّ منها، كالزاني الخبيث أو المشرك الكافر، فإن النفوس الطاهرة تأبى الزواج بالفواجر الفاسقات، قال الإِمام الفخر: «من أحسن ما قيل في تفسير هذه الآية: أنَّ الفاسقَ الخبيث - الذي من شأنه الزنى والفِسق - لا يرغب في نكاحها الصوالح من النساء، وإنما يرغب في فاسقةٍ خبيثةٍ مثله أو في مشركة، والفاسقة الخبيثة لا يرغب في نكاحها الصلحاء من الرجال وينفرون عنها، وإنما يرغب فيها من هو من جنسها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015