صفوه التفاسير (صفحة 747)

والجفاف يقال: عتا الشيخ كبر وولّى قال الشاعر:

إنما يُعذر الوليدُ ولا يُعذر ... من كان في الزَّمان عِتّياً

{حَنَاناً} الحنان: الشفقة والرحمةُ والمحبةُ، وأصله من حنين الناقة على ولدها وحنانْيك تريد رحمتك قال طرفة:

أبَا منذر أفنيت فاسْبتق بعضّنا ... حنانَيْك بعضُ الشر أهونُ من بعض

{انتبذت} ابتعدت وتنحَّت {سَوِيّاً} مستوي الخلقة {المخاض} اشتداد وجع الولادة والطلق {سَرِيّاً} السريُّ: النهر والجدول لأن الماء يسري فيه {فَرِيّاً} الفريُّ: العظيم من الأمر.

التفسِير: {كهيعص} حروفٌ مقطعة للتنبيه على إعجاز القرآن وتقرأ: «كافْ، هَا، يَا، عَيْنْ، صَادْ» {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ} أي هذا ذكرُ رحمةِ ربِّك لعبدِهِ زكريا نقصُّه عليك يا محمد {إِذْ نادى رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً} أي حين ناجى ربه ودعاه بصوتٍ خفي لا يكاد يسمع قال المفسرون: لأن الإخفاء في الدعاء أدخلُ في الإخلاص وأبعدُ من الرياء {قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ العظم مِنِّي} أي دعا في ضراعة فقال يا رب: لقد ضعف عظمي، وذهبتْ قوتي من الكِبر {واشتعل الرأس شَيْباً} أي انتشر الشيب في رأسي انتشار النار في الهشيم {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً} أي لم تخيّب دعائي في وقت من الأوقات بل عودتني الإحسان والجميل فاستجب دعائي الآن كما كنت تستجيبه فيما مضى قال البيضاوي: هذا توسلٌ بما سلف له من الاستجابة، وأنه تعالى عوَّده بالإجابة وأطعمه فيها، ومن حقّ الكريم أن لا يخيَّب من أطمعه {وَإِنِّي خِفْتُ الموالي مِن وَرَآئِي} أي خفت بني العم والعشيرة من بعد موتي أن يضيّعوا الدين ولا يُحسنوا وراثة العلم والنبوة {وَكَانَتِ امرأتي عَاقِراً} أي لا تلد لكبر سنها أو لم تلدْ قطُّ {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً} أي فارزقني من محض فضلك ولداً صالحاً يتولاني {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} أي يرثني ويرث أجداده في العلم والنبوة قال البيضاوي: المراد وراثة الشرع والعلم فإن الأنبياء لا يورّثون المال {واجعله رَبِّ رَضِيّاً} أي أجعله يا رب مرضياً عندك قال الرازي: قدًَّم زكريا عليه السلام على طلب الولد أموراً ثلاثة: أحدها: كونه ضعيفاً، والثاني: أن الله ما ردَّ دعاءه البتة، والثالث: كون المطلوب بالدعاء سبباً للمنفعة في الدين ثم صرَّح بسؤال الولد وذلك مما يزيد الدعاء توكيداً لما فيه من الاعتماد على حول الله وقوته والتبري عن الأسباب الظاهرة {يازكريآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسمه يحيى} أي نبشرك بواسطة الملائكة بغلامٍ يسمى يحيى كما في آل عمران {فَنَادَتْهُ الملائكة وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي المحراب أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بيحيى}

[آل عمران: 39] {لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً} أي لم يسمَّ أحدٌ قبله بيحيى فهو اسم فذٌّ غير مسبوق سمّاه تعالى به ولم يترك تسميته لوالديه وقال مجاهد: ليس له شبيه في الفضل والكمال {قَالَ رَبِّ أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ} أي كيف يكون لي غلام؟ وهو استفهام تعجب وسرور بالأمر العجيب {وَكَانَتِ امرأتي عَاقِراً} أي والحال أن أمرأتي كبيرة السن لم تلد في شبابها فكيف وهو الآن عجوز!! {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيّاً} أي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015