صفوه التفاسير (صفحة 642)

استطعتم {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ} أي هذا القرآن كتاب أنزلناه عليك يا محمد، لم تنشئْه أنت وإنما أوحيناه نحن إليك {لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور} أي لتخرج البشرية من ظلمات الجهل والضلال إلى نور العلم والإِيمان {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} أي بأمره وتوفيقه {إلى صِرَاطِ العزيز الحميد} أي لتهديهم إلى طريق الله العزيز الذي لا يُغالب، المحمود بكل لسان، الممجَّد في كل مكان {الله الذي لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} أي المالك لما في السماوات والأرض، الغني عن الناس، المسيطر على الكون وما فيه {وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} قال الزجاج: {وَيْلٌ} كلمة تُقال للعذاب والهلكة، أي هلاك ودمارٌ للكافرين ويا ويلهم من عذاب الله الأليم، ثم وضّح صفات أولئك الكفار بقوله {الذين يَسْتَحِبُّونَ الحياة الدنيا عَلَى الآخرة} أي يفضّلون ويؤثرون الحياة الفانية على الحياة الآخرة الباقية {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} أي يصرفون الناس ويمنعونهم عن دين الإسلام {وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً} أي يطلبون أن تكون دين الله معوجَّة لتوافق أهواءهم {أولئك فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ} أي أولئك المتصفون بتلك الصفات الذميمة في ضلالٍ عن الحق مبين، لا يُرجى لهم صلاح ولا نجاح {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ} أي وما أرسلنا في الأمم الخالية رسولاً من الرسل إلا بلغة قومه {لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} أي ليبيّن لهم شريعة الله ويفهمهم مراده، لتتمَّ الغاية من الرسالة {فَيُضِلُّ الله مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ} أي وليست وظيفة الرسل إلا التبليغ وأما أمر الهداية والإِيمان فذلك بيد الله يضلُّ من يشاء إضلاله، ويهدي من يشاء هدايته على ما سبق به قضاؤه المحكم {وَهُوَ العزيز الحكيم} أي وهو العزيز في ملكه، الحكيم في صنعه {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بِآيَاتِنَآ} أي أرسلنا موسى بالمعجزات الباهرات الدالة على صدقه {أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظلمات إِلَى النور} أن تفسيرية بمعنى أيْ والمعنى أي أخرج بني إِسرائيل من ظلمات الجهل والكفر إلى نور الإيمان والتوحيد قال أبو حيان: وفي قوله {قَوْمَكَ} خصوصٌ لرسالة موسى إلى قومه بخلاف قوله لمحمد {لِتُخْرِجَ الناس} مما يدل على عموم الرسالة {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله} أي ذكّرهم بأياديه ونعمه عليهم {إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} أي في التذكير بأيام الله لعبراً ودلالات لكل عبد منيب صابر على البلاء، شاكر للنعماء {وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ} أي اذكروا نعم الله الجليلة عليكم {إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ} أي حين نجاكم من الذل والاستعباد من فرعون وزبانيته {يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب} أي يذيقونكم أسوأ أنواع العذاب {وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ} أي يذبحون الذكور ويستبقون الإناث على قيد الحياة مع الذل والصغار {وَفِي ذلكم بلاء مِّن رَّبَّكُمْ عَظِيمٌ} أي وفي تلك المحنة ابتلاءٌ واختبار لكم من ربكم عظيم قال المفسرون: وكان سبب قتل الذكور أن الكهنة قالوا لفرعون إنّ مولوداً يولد في بني إسرائيل يكون ذهاب ملكك على يديه، فأمر بقتل كل مولود {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} هذا من تتمة كلام موسى أي واذكروا أيضاً حين أعلم ربكم إعلاماً لا شبهة فيه لئن شكرتم إنعامي لأزيدنكم من فضلي {وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} أي ولئن جحدتم نعمتي بالكفر والعصيان فإن عذابي شديد، وعدَ بالعذاب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015