صفوه التفاسير (صفحة 1010)

قال مجاهد: نزلت في رجل من قريش كان يُدعى «ذا القلبين» من دهائه وكان يقول: إنَّ في جوفي قلبين أعقل بكل واحدٍ منهما أفضل من عقل محمد {وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ} أي وما جعل زوجاتكم اللواتي تظاهرون منهنَّ أمهاتكم، قال ابن الجوزي: أعلمَ تعالى أن الزوجة لا تكونُ أُماً، وكانت الجاهلية تُطلّق بهذا الكلام وهو أن يقول لها: أنتِ عليَّ كظهر أمي {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ} أي وما جعل الأبناء من التبني الذين ليسوا من أصلابكم أبناءً لكم حقيقةً {ذلكم قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ} أي دعاؤهم أبناء مجرد قول بالفم لا حقيقة له من الواقع {والله يَقُولُ الحق} أي والله تعالى يقول الحقَّ الموافق للواقع، والمطابق له من كل الوجوه {وَهُوَ يَهْدِي السبيل} أي يرشد إلى الصراط المستقيم، والغرضُ من الآية التنبيهُ على بطلان مزاعم الجاهلية، فكما لا يكون للشخص الواحد قلبان في جوفه، فكذلك لا يمكن أن تصبح الزوجة المُظاهر منها أماً، ولا الولد المتبنَّى ابناً، لأن الأم الحقيقية هي التي ولدته، والابن الحقيقي هو الذي وُلد من صلب الرجل، فكيف يجعلون الزوجات المظاهر منهن أمهات؟ وكيف يجعلون أبناء الآخرين أبناءً لهم مع أنهم ليسوا من أصلابهم؟ ثم أمر تعالى بردّ نسب هؤلاء إلى آبائهم فقال: {ادعوهم لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله} أي انسبوا هؤلاء الذين جعلتموهم لكم أبناء لآبائهم الأصلاء {هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله} أي هو أعدلُ وأقسط في حكم الله وشرعه قال ابن جرير: أي دعاؤكم إياهم لآبائهم هو أعدل عند الله وأصدقُ وأصوب من دعائكم إياهم لغير آبائهم {فَإِن لَّمْ تعلموا آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي الدين} أي فإن لم تعرفوا آباءهم الأصلاء فتنسبوهم إليهم فهم إخوانكم في الإسلام {وَمَوَالِيكُمْ} أي أولياؤكم في الدين، فليقل أحدكم: يا أخي ويا مولاي يقصد أخوَّة الدين وولايته، قال ابن كثير: أمر تعالى بردّ أنساب الأدعياء إلى آبائهم إن عُرفوا، فإن لم يُعرفوا فهم إخوانهم في الدين ومواليهم، عوضاً عما فاتهم من النسب، ولهذا قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لزيد بن حارثة:

«أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلاَنَا» وقال ابن عمر: ما كنا ندعو «زيد ابن حارثة» إلا زيد بن محمد حتى نزلت {ادعوهم لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله} {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ} أي وليس عليكم أيها المؤمنون ذنبٌ أو إثم فيمن نسبتموهم إلى غير آبائهم خطأً {ولكن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} أي ولكنَّ الإثم فيما تقصدتم وتعمدتم نسبته إلى غير أبيه {وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً} أي واسع المغفرة عظيم الرحمة يعفو عن المخطئ ويرحم المؤمن التائب، ثم بيَّن تعالى شفقة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على أمته ونصحه لهم فقال: {النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ} أي هو عليه السلام أرأف بهم وأعطف عليهم، وأحقُّ بهم من أنفسهم في كل شيء من أمور الدين والدنيا، وحكمه أنفذ وطاعته أوجب {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} أي وزوجاته الطاهرات أمهات المؤمنين في وجوب تعظيمهن واحترامهن، وتحريم نكاحهنَّ، قال أبو السعود: أي منزّلات منزلة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015