صفه الفتوي (صفحة 73)

فصل

وَلما كَانَ من اللَّازِم الِالْتِزَام بِأَهْل الدّين وعلماء الشَّرِيعَة المبرزين وأكابر الْأَئِمَّة المتبعين المتبوعين والمشهورين من الْمُحَقِّقين المحقين المتدينين المتورعين والموفقين المسددين المرشدين وَكَانَ الإِمَام الْعَالم السالك الناسك الْكَامِل ابو عبد الله أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ قد تَأَخّر عَن أَئِمَّة الْمذَاهب الْمَشْهُورَة وَنظر فِي مذاهبهم ومذاهب من قبلهم وأقاويلهم وسبرها وخبرها وانتقدها وَاخْتَارَ أرجحها وأصحها وَوجد من قبله قد كَفاهُ مُؤنَة التَّصْوِير والتأصيل وَالتَّفْصِيل فتفرغ للاختيار وَالتَّرْجِيح والتنقيح والتكميل وَالْإِشَارَة بَين الصَّحِيح مَعَ كَمَال آلَته وبراعته فِي الْعُلُوم الشرعيه وترجحه على من سبقه لما يَأْتِي ثمَّ لم يُوجد بعده من بلغ مَحَله فِي ذَلِك كَانَ مذْهبه أولى من غَيره بالاتباع والتقليد وَهَذَا طَرِيق الْإِنْصَاف والسلامة من الْقدح فِي بعض الْأَئِمَّة وَقد ادّعى الشَّافِعِيَّة ذَلِك فِي مَذْهَب الشَّافِعِي أَيْضا وَأَنه أولى من غَيره وَنحن نقُول كَانَ الإِمَام أَحْمد أَكْثَرهم علما بالأخبار وَعَملا بالآثار واقتفاء للسلف واكتفاء بهم دون الْخلف وَهُوَ من أَجلهم قدرا وذكرا وأرفعهم منزلَة وشكرا وأسدهم طَريقَة وأقومهم سطرا وأشهرهم ديانَة وصيانة وَأَمَانَة وأمرا وأعلمهم برا وبحرا قد اجْتمع لَهُ من الْعلم وَالْعَمَل وَالدّين والورع والاتباع وَالْجمع والاطلاع والرحلة وَالْحِفْظ والمعرفة والشهرة بذلك كُله وَنَحْوه مَا لم يجْتَمع مثله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015