الْبَيِّنَةَ بِالشِّرَاءِ أَقَامَ هُوَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِالدَّفْعِ وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا، وَهُوَ حَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ أَرَدْت أَنْ لَا أَتَكَلَّفَ بَيِّنَةً، وَالْمَسْأَلَةُ مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ الْحَاصِلِ بِالتَّضْمِينِ لَا بِالصَّرِيحِ وَفِي إعْمَالِهِ خِلَافٌ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْقَضَاءِ تَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالْمُعَامَلَةِ الَّتِي تَفَرَّعَ الْقَضَاءُ عَنْهَا، وَإِنْكَارُهُ الْمُعَامَلَةَ أَوَّلًا تَكْذِيبٌ لِبَيِّنَةِ الْقَضَاءِ.

(فَرْعٌ) قَالَ فِي أَوَائِلِ نَوَازِلِ الدَّعَاوَى وَالْأَيْمَانِ مِنْ الْمِعْيَارِ، وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ امْرَأَةٍ تُوُفِّيَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَوَرَثَةً، فَقَامُوا يَطْلُبُونَ الزَّوْجَ بِجِهَازِهَا الَّذِي أَوْرَدَهُ أَبُوهَا بَيْتَ بِنَاءِ الزَّوْجِ الْمَذْكُورِ بِهَا فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ أَوْرَدَ بَيْتَ بِنَائِهِ شَيْئًا، فَاسْتَدْعَوْا بَيِّنَةَ بَعْضِ أَشْيَاءَ، مِنْهَا فَتَقَيَّدَ عَلَيْهِ إنْكَارُهُ فَهَلْ يَضُرُّهُ إنْكَارُهُ، وَيَلْزَمُهُ إحْضَارُ كُلِّ مَا شَهِدَ بِهِ أَنَّهُ وَصَلَ بَيْتَ بِنَائِهِ، أَوْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؟ وَلَا يَضُرُّهُ إنْكَارُهُ إذْ لَوْ أَقَرَّ بِوُصُولِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ سِوَى الْيَمِينِ أَنَّهُ مَا غَابَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ مَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ حَسْبَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لِي؛ لِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ قَامَتْ فِي الْقَضِيَّةِ لَوْ أَقَرَّ بِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ، فَكَذَلِكَ إذَا أَنْكَرَهَا بِخِلَافِ مَنْ أَنْكَرَ حَقًّا طُلِبَ بِهِ ثُمَّ لَمَّا ثَبَتَ عَلَيْهِ ادَّعَى الْبَرَاءَةَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِنَفْسِ الثَّبَاتِ قَبْلَ الْإِنْكَارِ أَوْ بَعْدَهُ، فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْأَدَاءِ وَهَذَا لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْأَدَاءِ، وَإِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ وَوَقَعَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فِيهِ نِزَاعٌ وَرَاقَ مَا ذَكَرْته فَأَرَدْت مَعْرِفَةَ رَأْيِك الْعَلِيِّ فِي ذَلِكَ مَأْجُورًا إنْ شَاءَ اللَّهُ.

(فَأَجَابَ) تَصَفَّحْت سُؤَالَك وَاَلَّذِي ظَهَرَ لَك فِيهِ وَهُوَ الَّذِي أُرَاهُ وَلَا يَصِحُّ عِنْدِي سِوَاهُ، فَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ سِوَى الْيَمِينِ أَنَّهُ مَا أَخَذَ مِنْ مَالِهَا شَيْئًا فِي حَيَاتِهَا، وَلَا بَعْدَ وَفَاتِهَا، وَلَا غَابَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ تَرِكَتِهَا وَلَا وُجِدَ لَهَا سِوَى مَا أَحْضَرَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ هِيَ أَتْلَفَتْ مَا جُهِّزَتْ بِهِ إلَيْهِ، أَوْ تَلِفَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهَا. اهـ.

وَفِي ذَوَيْ عَدْلٍ يُعَارِضَانِ ... مُبَرِّزًا أَتَى لَهُمْ قَوْلَانِ

وَبِالشَّهِيدَيْنِ مُطَرِّفٌ قَضَى ... وَالْحَلْفَ وَالْأَعْدَلَ أَصْبَغُ ارْتَضَى

يَعْنِي إذَا تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَانِ أَحَدُهُمَا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ وَالْأُخْرَى بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَاحِدٍ مُبَرِّزٍ أَعْدَلُ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ فَهَلْ تُقَدَّمُ شَهَادَةُ الْعَدْلَيْنِ أَوْ شَهَادَةُ الْعَدْلِ الْمُبَرِّزِ؟ ذَهَبَ مُطَرِّفٌ إلَى إعْمَالِ شَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ تَرْجِيحًا لَهَا عَلَى شَهَادَةِ الْعَدْلِ الْمُبَرِّزِ مَعَ الْيَمِينِ. وَذَهَبَ أَصْبَغُ إلَى إعْمَالِ شَهَادَةِ الْمُبَرِّزِ الْأَعْدَلِ، مَعَ يَمِينِ الْقَائِمِ بِهَا. قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ وَظَاهِرٌ لِابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَعَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا شَاهِدَيْنِ وَالْآخَرُ شَاهِدًا أَعْدَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ فَلْيُقْضَ بِالشَّاهِدَيْنِ، وَكَذَلِكَ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ يُقْضَى بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ، وَرَوَى عَنْهُ أَبُو زَيْدٍ أَنَّهُ يُقْضَى بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْأَعْدَلِ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ، دُونَ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَإِنْ كَانَا عَدْلَيْنِ، وَبِهَذَا أَخَذَ أَصْبَغُ (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ إذَا كَانَا عَدْلَيْنِ أَحَقُّ مِنْ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الَّذِي هُوَ أَعْدَلُ أَهْلِ زَمَانِهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، إذْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ لَا يَرَى الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ مَعَ الْيَمِينِ أَصْلًا، وَمَنْ لَا يَرَى التَّرْجِيحَ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ أَصْلًا فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُقْضَى بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ مَعَ يَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ إذَا كَانَ أَعْدَلَ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015