عَلَامَةُ الشَّرِّ وَلَمْ تَتَحَقَّقْ عَلَيْهِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ حَتَّى يُزَكَّى، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

وَمَنْ بِعَكْسِ حَالِهِ فَلَا غِنَى ... مِنْ أَنْ يُزَكَّى وَاَلَّذِي قَدْ أَعْلَنَا

وَإِنْ كَانَ مُعْلِنًا بِالشَّرِّ وَمَا لَا يَلِيقُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا يَصِحُّ تَعْدِيلُهُ؛ لِأَنَّ حَالَتَهُ الَّتِي أَعْلَنَ بِهَا مُكَذِّبَةٌ لِمَنْ يُرِيدُ تَعْدِيلَهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

وَاَلَّذِي قَدْ أَعْلَنَا بِحَالَةِ الْجَرْحِ فَلَيْسَ تُقْبَلُ ... لَهُ شَهَادَةٌ وَلَا يُعَدَّلُ

وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ فَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ وَسْمُ خَيْرٍ وَلَا شَرٍّ فَلَا بُدَّ مِنْ تَزْكِيَتِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا تُهْمَلُ شَهَادَتُهُ كَمَنْ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الشَّرِّ، بَلْ لَهَا مَزِيَّةٌ وَهِيَ أَنَّ شَهَادَتَهُ تُوجِبُ شُبْهَةً فِي الْمُدَّعَى فِيهِ قَبْلَ تَزْكِيَتِهِ إلَى أَنْ تَثْبُتَ التَّزْكِيَةُ، فَيَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَى الشَّهَادَةِ، أَوْ يُعْجَزُ عَنْ التَّزْكِيَةِ فَتَضْمَحِلُّ الشُّبْهَةُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ.

(قَالَ الشَّارِحُ) : " وَإِذَا أَوْجَبَتْ شَهَادَةُ الْمَجْهُولِ الْحَالِ شُبْهَةً فِي الْمُدَّعَى فِيهِ فَأَحْرَى أَنْ تُوجِبَهَا شَهَادَةُ مَنْ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ سِمَةُ الْخَيْرِ " (وَفِي الْعُتْبِيَّةِ) سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الشَّاهِدِ لَا يَعْرِفُهُ الْقَاضِي بِعَدَالَةٍ وَلَا بِحَالٍ فَاسِدَةٍ وَهُوَ مِمَّنْ يَشْهَدُ الصَّلَاةَ فِي الْمَسَاجِدِ وَلَا يَعْرِفُهُ بِأَمْرٍ قَبِيحٍ أَتُجِيزُ شَهَادَةً أَمْ لَا؟ فَقَالَ: " لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْبَلَ إلَّا عَدْلًا ثَابِتَ الْعَدَالَةِ " (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] إذْ لَا يُرْضَى إلَّا مَنْ تُعْرَفُ عَدَالَتُهُ قَالَ: وَقَدْ أَجَازَ ابْنُ حَبِيبٍ شَهَادَةَ مَنْ ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ بِالتَّوَسُّمِ فِيمَا يَقَعُ فِي الْأَسْفَارِ بَيْنَ الْمُسَافِرِينَ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ، وَالتِّجَارَاتِ، وَالْأَكْرِيَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُكَارِينَ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ الْحَسَنِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. (وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : وَأَمَّا الشَّاهِدُ الَّذِي لَا نَتَوَسَّمُ فِيهِ الْعَدَالَةَ وَلَا الْجُرْحَةَ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ دُونَ تَزْكِيَتِهِ، إلَّا أَنَّ شَهَادَتَهُ شُبْهَةٌ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَعِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فَتُوجِبُ الْيَمِينَ، وَتُوجِبُ الْقَسَامَةَ، وَتُوجِبُ الْحَمِيلَ وَتَوْقِيفَ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ. (وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْجَزِيرِيُّ) فِي شَهَادَةِ مَنْ تُتَوَسَّمُ فِيهِ الْجُرْحَةُ: " أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ إلَّا بِتَزْكِيَةٍ، وَلَا تَكُونُ شُبْهَةً تُوجِبُ حُكْمًا " (وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : " لَا يَقْبَلُ الْقَاضِي فِيمَنْ عَلِمَ جُرْحَتَهُ تَعْدِيلًا فِيمَنْ شَهِدَ بِهِ " (وَقَالَ اللَّخْمِيُّ) : " وَأَعْلَى مَنَازِلِ الشَّاهِدِ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ مُشْكِلٌ وَمُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْعَدَالَةِ وَسُقُوطِهَا، وَقَدْ اُشْتُرِطَتْ الْعَدَالَةُ فَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ مَعَ الشَّكِّ فِي وُجُودِ ذَلِكَ الشَّرْطِ إلَّا مَنْ شُهِرَ اسْمُهُ بِالصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ، وَقَدْ شَهِدَ فَلَا تُطْلَبُ تَزْكِيَتُهُ، وَيُحْمَلُ عَلَى مَا عُرِفَ بِهِ حَتَّى يَثْبُتَ غَيْرُ ذَلِكَ " اهـ.

وَمُطْلَقًا مَعْرُوفُ عَيْنٍ عُدِّلَا ... وَالْعَكْسُ حَاضِرًا وَإِنْ غَابَ فَلَا

يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى التَّزْكِيَةِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفَ الْعَيْنِ فَيُعَدَّلُ، سَوَاءٌ كَانَ حَاضِرًا بِمَجْلِسِ الْقَاضِي أَوْ غَائِبًا عَنْهُ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْإِطْلَاقِ وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفَ الْعَيْنِ وَهُوَ مَجْهُولُ الْعَيْنِ وَهُوَ الَّذِي عُنِيَ بِالْعَكْسِ فَلَا يُعَدَّلُ إلَّا حَاضِرًا عَلَى عَيْنِهِ، وَأَمَّا مَعَ غَيْبَتِهِ فَلَا (قَالَ الشَّارِحُ) : " وَهَلْ يُحْمَلُ قَوْلُهُ: " مَعْرُوفُ عَيْنٍ " عَلَى مَنْ يَعْرِفُهُ الْحَاكِمُ الَّذِي يُزَكَّى بَيْنَ يَدَيْهِ عَيْنُهُ، أَوْ عَلَى مَا هُوَ أَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ مِمَّنْ عَرَفَ عَيْنَهُ النَّاسُ، سَوَاءٌ عَرَفَ الْحَاكِمُ عَيْنَهُ أَوْ لَمْ يَعْرِفْهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَصَدَ الْأَوَّلَ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ فِي الْمُنْتَخَبِ قَالَ: " وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ سَحْنُونٌ قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ أَيُزَكَّى الشَّاهِدُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْ الْقَاضِي؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهَذَا فِي الرَّجُلِ الَّذِي يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا مَنْ لَا يَعْرِفُهُ فَلَا تَكُونُ التَّزْكِيَةُ إلَّا عَلَى عَيْنِهِ " وَهَذَا مِنْ أَصْلِ قَوْلِهِمْ. وَعَلَى الْمَحْمَلِ الثَّانِي يَدُلُّ مَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ سَحْنُونٍ (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : وَفِيهَا يُزَكَّى الشَّاهِدُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْ الْقَاضِي (الصَّقَلِّيِّ) عَنْ سَحْنُونٍ مَعْنَاهُ إنْ كَانَ مَشْهُورًا، فَأَمَّا غَيْرُ الْمَعْرُوفِ فَلَا يُزَكَّى إلَّا بِحَضْرَتِهِ (عَبْدُ الْحَقِّ) مَعْنَاهُ إنْ كَانَ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَهُوَ حَاضِرٌ الْبَلَدَ أَوْ قَرِيبٌ جِدًّا وَمَنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ جَازَتْ تَزْكِيَتُهُ كَمَا يُقْضَى عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي زَيْدٍ.

وَشَاهِدٌ تَعْدِيلُهُ بِاثْنَيْنِ ... كَذَاكَ تَجْرِيحٌ مُبَرِّزَيْنِ

وَالْفَحْصُ مِنْ تِلْقَاءِ قَاضٍ قَنَعَا ... فِيهِ بِوَاحِدٍ فِي الْأَمْرَيْنِ مَعَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015