أهل البادية، خلاف الحاضرة؛ لعدم الساتر فيها من المباني ونحوها، وغالباً يكون عندهم جرأة في الكلام، وعدم مجاملة، ولذلك كان الصحابة - رضوان الله عليهم - يحبون أن يكون معهم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل العاقل من أهل البادية، حتى يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيستفيدوا من جوابه.

قوله: ((إن رجلاً من أهل الجنة)) الخ، قد فهم الأعرابي أن هذا الرجل كان في الدنيا زراعاً، ففيه دليل على إلف النفوس لما تزاوله من الأعمال، حتى تحبه، ويصير من مشتهياتها، ويكون لها فيه متعة وراحة، وهذا الرجل بقيت معه هذه المحبة إلى الجنة.

وفيه أن ما يشتهيه أهل الجنة من أمور الدنيا يمكن حصوله لهم، وأنهم يطلبون ما أرادوا من ربهم تعالى.

قوله: ((أولست فيما شئت؟)) يعني: لست بحاجة إلى الزرع، فكل ما تريده من مأكول، أو مشروب، أو غير ذلك بين يديك.

وقوله: ((بلى، ولكن أحب أن أزرع)) يعني: أن ذلك ليس عن حاجة، وإنما هو مجرد محبة للزرع الذي كان يزاوله في الدنيا.

قوله: ((فأسرع، وبذر، فتبادر الطرف نباته، واستواؤه واستحصاده وتكويره أمثال الجبال)) يعني: أن الله أذن له فبذر، وخرج الزرع فاستوى وانحصد، واجتمع حباً متراكماً أمثال الجبال في لحظة واحدة؛ لأن الجنة ليس فيها نصب وكد وتعب، وإنما فيها تنعم وراحة، وما يشتهون.

وهذا من عجائب قدرة الله القادر على كل شيء.

((فيقول: دونك يا ابن آدم، فإنه لا يشبعك شيء)) دونك منصوب على الإغراء، أي: خذ ثمار الزرع الذي طلبت.

ولا يفهم من قوله: ((فإنه لا يشبعك شيء)) أن الجنة يحصل فيها حاجة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015