هذا الحديث قاله - صلى الله عليه وسلم - في خطبته العظيمة يوم النحر، في حجة الوداع، وفي هذا الحديث بيان وجوب الاجتماع على الحق، والاعتصام بكتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وعظم حرمة دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، ووجوب سلوك طريقه - صلى الله عليه وسلم -، وبيان أن الله - تعالى - أتم عليهم نعمته بنبيه، وأخذهم بما جاء به.

وحذرهم من ترك هذا الهدى والرجوع إلى الضلال وكفر النعمة والفرقة الداعية إلى التصارم والقتال، فإن ذلك من الكفر.

وبين أن الزمان قد عاد كما خلقه الله، بعد تبديل المشركين الشهور المحرمة بالتقديم والتأخير حسب أهوائهم، حتى يستحلوا القتال في الأشهر الحرم.

وفيه بيان تأكد حرمة الأشهر الحرم التي حرمها الله يوم خلق السماوات والأرض، وحرمة مكة، وأن هذا التحريم مستمر إلى يوم القيامة لا يستحله إلا من جانب طريق الرسل، وأحل شعائر الله والشهر الحرم والبلد الحرام، وذلك من العظائم.

قوله: ((الزمان قد استدار، كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض)) كان المشركون لا يستحلون القتال في الأشهر الحرم، ولما كان منها ثلاثة متواليات، طالت عليهم، فتحيلوا على تأخير المحرم وتقديم صفر مكانه، فيحلون المحرم عاماً ويحرمون صفر بدله ويحرمونه عاماً، فيجعلون المحرم هو صفر في هذا العام مثلاً، وفي العام الآخر يبقون المحرم وصفر على ما هما عليه، يفعلون ذلك تحيلاً على استحلال القتال، كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ِ} (?) .

فيستحلون القتال في الشهر الحرام، ويسمونه بغير اسمه، ويحرمون في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015