معنى قوله: (وقالوا حسبنا الله)

قوله جل وعلا: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173]، الحسب: هو الكافي، يعني: أننا نكتفي بالله ونعتصم به، ونعم الكافي ونعم من يتوكل عليه؛ فإن من استكفى به وتوكل عليه لن يصل إليه عدو، ولن يضره شيء.

أما الأقدار التي يقدرها الله جل وعلا على الإنسان فلابد من نفاذها وحصولها، ولكن لا يكون ذلك بسبب فعل الواجب الذي أوجبه الله أو اجتناب المحرم الذي حرمه الله، لكنه شيء أراده الله جل وعلا إما تمحيصاً للذنوب أو زيادة في الحسنات للمؤمن؛ فإذا أصيب المؤمن بأذى من عدوه؛ فلا يخلو: إما أن يكون ذلك رفعاً لدرجاته وزيادة في حسناته، أو تكفيراً لسيئاته وتمحيصاً لما صنع وفعل.

وهو في كلا الحالتين على خير، ولا يكون المؤمن إلا على هذه الطريقة، فإن أصابته النعمة فهي من الله، وإن أصابه شيء من النقم فهو بسبب ذنوبه أو أيضاً نعمة: ترفع بها درجاته يوم القيامة ويزاد في حسناته.

وقد جاء أن العبد يكون له الدرجة عند الله لا يصلها بعمله، فيبتليه الله جل وعلا بالمصائب؛ حتى يصل إليها بسبب ذلك.

وجاء عن ابن عباس أنه قال: (قوله: (حسبنا الله ونعم الوكيل)؛ قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قال له الناس: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران:173].

ومعنى ذلك: أن هذا قول أفضل الرسل، وكلاهما خليل لله جل وعلا: إبراهيم ومحمد صلوات الله وسلامه عليهما، والخلة هي غاية المحبة ونهايتها، وليس كما يقول بعض قاصري المعرفة: إن إبراهيم خليل الرحمن ومحمد حبيبه، وأن المحبة أبلغ.

كلا هذا ليس بصحيح، بل الخلة أعلى وأجل، ولهذا كان يقول صلى الله عليه وسلم: (لو اتخذت منكم خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله) يعني: نفسه صلوات الله وسلامه عليه، ومن كان خليله الرحمن جل وعلا لا يتخذ من الخلق خليلاً.

قال الشارح: [فإذا أخلصوا له الخوف وجميع العبادة أعطاهم ما يرجون، وأمنهم من مخاوف الدنيا والآخرة، قال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [الزمر:36].

قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: ومن كيد عدو الله: أنه يخوف المؤمنين من جنده وأوليائه لئلا يجاهدوهم، ولا يأمروهم بمعروف ولا ينهوهم عن منكر، وأخبر تعالى أن هذا من كيد الشيطان وتخويفه، ونهانا أن نخافهم.

قال: والمعنى عند جميع المفسرين: يخوفكم بأوليائه.

قال قتادة: يعظمهم في صدوركم، فكلما قوي إيمان العبد زال خوف أولياء الشيطان من قلبه، وكلما ضعف إيمانه قوي خوفه منهم، فدلت هذه الآية: على أن إخلاص الخوف من شروط الإيمان].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015