بيع المزابنة

المسألة الثالثة: بيع المزابنة، وهي مشتقة من الزبن، وهو الدفع، فالأصل في الزبن أنه الدفع، ومنه قول الله تعالى: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق:18] وهم خزنة النار؛ لأنهم يدفعون الكفار في النار دفعاً، فالعادة أن هذين اللذين يتبايعان هذه المبايعة يقع بينهما شيء من الاختلاف، وكل منهما يدفع الآخر إما دفعاً حسياً أو دفعاً معنوياً.

وذكر للمزابنة ثلاثة أمثلة: المثال الأول: أن يبيع التمر الذي في رءوس النخل بتمر مقطوع، فإن هذا فيه جهل، وفيه عدم تحقق التماثل؛ لأن التمر من الأشياء الربوية، فلا يجوز أن يباع إلا بمثله كيلاً مثلاً بمثل، فكونه يقول -مثلاً-: اشتريت منك ثمرة هذه النخلة بهذا المكتل من التمر -تمر بتمر من غير تحقق التماثل- لا يجوز، وهذا من المزابنة.

المثال الثاني: إذا كان عنده شجرة عنب، والعادة أنه يتركها حتى تصير زبيباً، فيقول: بعني ثمرة هذه الشجرة -شجرة العنب- بهذا المكتل من الزبيب، أو: بعشرة آصع أو: بعشرين صاعاً زبيباً، خذها الآن واترك لي ثمرة هذه الشجرة من العنب لآخذها، سواء زادت عن عشرين أو نقصت، وهذا أيضاً فيه اختلاف؛ وذلك لأنه لا يتحقق التساوي، فقد يكون ثمر الشجرة أربعين صاعاً، وقد لا يصفو منه إلا عشرة؛ لأنه شيء مجهول ولوكانوا ينظرون إليه، وكذلك ثمر النخلة، فلا يتحقق هنا التماثل.

المثال الثالث: في ثمر الزرع، فإذا جاء إليك وزرعك قد أثمر، وقد بدا سنبله؛ فقال: بعني زرعك هذا بمائة صاع، أو بهذه الأكياس التي فيها مائة صاع أو مائتان أو خمسمائة، خذ مني هذه الأكياس وأعطني هذا الزرع؛ فهذه الأكياس معلوم وزنها، ومعلوم كيلها، والزرع مجهول لا يدرى هل يكون كثيراً أو قليلاً، فلا يتحقق التماثل.

فهذه أمثلة للمزابنة، والنبي عليه الصلاة والسلام مثل بها، وأراد بذلك كل شيء يماثلها مما فيه غرر؛ لأنه أمر إذا بيع شيء من المكيلات أنه لابد من التساوي والتماثل، ولعله يأتينا ما يستثنى من ذلك إن شاء الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015