بيان أن من قال الشهادتين مؤمن وإثبات صفة العلو لله تعالى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر إثبات الإيمان للمقر بالشهادتين معا.

أخبرنا الفضل بن الحباب قال: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا ابن أبي عدي عن حجاج الصواف قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي قال: (كانت لي غنيمة ترعاها جارية لي في قبل أحد والجوانية، فاطلعت عليها ذات يوم وقد ذهب الذئب منها بشاة، وأنا من بني آدم آسف كما يأسفون، فصككتها صكة، فعظم ذلك علي، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها، فأتيته بها فقال: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟، قالت: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: اعتقها فإنها مؤمنة)].

هذا الحديث فيه دليل على أن المقر بالشهادتين يكون مؤمناً، وقد رواه مسلم في صحيحه، وفيه أن جارية أعجمية كانت لـ معاوية بن الحكم السلمي ترعى الغنم خلف أحد، فاطلع عليها وهي ترعى، فرأى الذئب أخذ شاة فأكلها فغضب عليها، قال: كيف تتركين الذئب يأكل الشاة؟! فصكها صكة ثم عظم عليه ذلك؛ لأنها مسكينة وليس لها حيلة في أن تخلصها من الذئب، فعظم ذلك عليه وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال يا رسول الله! أنا صككت الجارية، أفأعتقها فقال: (ائتني بها) أي: لأختبرها هل هي مؤمنة، ثم سألها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أين الله؟ قالت: في السماء, قال من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: اعتقها فإنها مؤمنة) وقد احتج به أهل العلم على إثبات العلو وأن الله فوق العرش في السماء، وفيه رد على المعطلة الذين يقولون: لا يسأل عن الله بـ (أين)، ولا ترفع أصبعك إلى السماء، فإنك لو رفعت أصبعك عند الجهمي قطع الصلاة، فاحذر أن ترفع أصبعك عند الجهمي، فهو يعتقد أن هذا تنقص لله؛ لأنك بزعمه تجعل الله في مكان معين وهو في كل مكان! تعالى الله عما يقولون، ويعترضون على النبي صلى الله عليه وسلم بسؤاله للجارية: (أين الله) ويقولون: إن سؤاله فاسد، وإنما سأل بهذا السؤال؛ لأن هذه جارية أعجمية فسألها سؤالاً فاسداً يناسب عقلها، وأقرها على الجواب الفاسد، فاتهموا الرسول عليه الصلاة والسلام بالرضى على الجواب الفاسد من الجارية، ويقولون: مقصود الرسول في سؤاله: (من الله) وليس مقصوده: أين الله؟ لكن قال: أين الله؛ لأجل أن الجارية أعجمية لا تفهم إلا هذا، وإنه لعجب أن الرسول لا يستطيع أن يقول: من الله! والرسول أفصح الناس صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء والعياذ بالله بلغت بهم الحال إلى أن يتهموا النبي عليه الصلاة والسلام لا لشيء إلا لأنه ثبت عنه قولاً يناقض مذهبهم، فهم يقولون: لا يصح أن يقال: إن الله في السماء؛ لأن هذا تحيز وتنقص لله فإن قولنا: إن الله في مكان يعني أنه متحيز، وهذا تنقص ولذا فلا يصح أن يقال: عن الله أنه في مكان، وأين يسأل بها عن المكان؛ فلهذا اتهموا الرسول عليه الصلاة والسلام وقالوا: إنه سألها سؤالاً فاسداً لا يناسب معناه لكنه اضطر إلى هذا السؤال؛ لأن الجارية أعجمية لا تفهم إلا هذا، وقد أقرها لما قالت: (في السماء) على جوابها الفاسد؛ لأن هذا هو الذي فهمته.

وهنا يقول المؤلف: من أقر بالشهادتين فهو مؤمن، لكن هل ذكر فيه الشهادتان الآن، قالت: الله في السماء يعني شهدت لله بالعلو، فأثبتت وحدانية الله.

والحديث أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم في المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة.

قوله: الجوانية بفتح أوله وتشديد ثانيه وكسر النون وياء مشددة موضع قرب المدينة، وقوله: وآسف: أي: أغضب، وصككتها: أي: لطمت وجهها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015