رجوع المستحاضة إلى عادتها السابقة

قال رحمه الله: [وعن عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة بنت جحش شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الدم، فقال: (امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك، ثم اغتسلي، فكانت تغتسل لكل صلاة) .

رواه مسلم.

وفي رواية للبخاري: (وتوضئي لكل صلاة) وهي لـ أبي داود وغيره من وجه آخر] .

أم حبيبة هي أخت حمنة، وأختهما أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنهن.

وانظروا إلى حسن ترتيب المؤلف لهذه الأحاديث الثلاثة، أم حبيبة رضي الله تعالى عنها جاءت تشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم استحاضتها، فماذا قال لها؟ لم يقل لها: دم الحيض أسود، ولم يقل لها: تحيضي في علم الله ستة أو سبعة، بل قال لها: (امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك) ، فهذا قسم ثالث، كانت لها حيضة منتظمة، تعرف أيامها، وتمكث مدتها، ثم اختلط الأمر عليها بعد أن كانت لها عادة معروفة تمسك فيها عن الصلاة والصيام، فردها النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما كانت عليه قبل الاستحاضة، فقال: (امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك) أي: تمسك عن الصلاة والصوم، يعني: كم كنت تحيضين قبل هذا الحال الجديد؟ لو كانت ثلاثة أيام، فامكثي ثلاثة أيام، أو خمسة أيام فامكثي خمسة، وهكذا ستة أيام أو تسعة أيام، فقدر ما كانت تحبسك حيضتك قبل الاستحاضة فهي مدة حيضتك الآن مع اختلاط الأمر عليك.

إذاً: المستحاضة قد تكون ذات دم يعرف، وقد تكون لا تميز الدم، وليست لها حيضة من قبل، فتمكث ستة أو سبعة أيام، وقد تكون لها حيضة منتظمة قبل الاستحاضة فترجع إلى مدة حيضتها قبل ذلك.

وقوله هنا: (امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك) ، فيه ردها إلى العادة القديمة، فليس هنا حكم زائد، ولا حكم جديد، إنما ردها إلى ما كانت عليه؛ ولهذا يقول مالك رحمه الله في مسائل الحيض: لقد وكل الله أمر النساء إليهن، ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن: من الولد، ومن دم الحيض، ومن الاستحاضة، فهي ترجع إلى مدة حيضتها، والنبي عليه الصلاة والسلام ما قال: كم كانت تحبسك؟ ثم ألزمها بشيء، لا، بل ردها إلى ما كانت عليه، وهي المسئولة عن ذلك، وهي أمانة بينها وبين الله.

وقوله: (ثم اغتسلي) أي: اغتسلي بعد مضي مدة حيضتك الأولى، واعتبري نفسك قد طهرتي، وما زاد عن مدة حيضتك الأولى بعد الاغتسال يكون استحاضة، فإذا اغتسلتي للحيضة فما عليك إلا الوضوء لكل صلاة، ولا تغتسل لكل صلاة، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام ما قال لها: اغتسلي لكل صلاة بل اغتسلي بعد الحيضة، فأمرها أن تغتسل من حيضتها الاعتبارية، ولكن هي من أجل الصلاة كانت تغتسل لكل صلاة، قالوا: هذا من فعلها هي، ولا يكون حكماً سارياً على بقية النساء، وقد جاءت الروايات موضحة لذلك.

وفي رواية للبخاري: (وتوضئي لكل صلاة) .

هذا هو ما أمرها النبي عليه الصلاة والسلام به: اغتسلي بعد مدة حيضتك الأولى، ثم بعد ذلك توضئي لكل صلاة، وقد تقدم قوله: (توضئي لكل صلاة) في رواية عائشة أول الباب، ثم في رواية أسماء: أنها تجمع بين الصلاتين بغسل، وجاء الحديث الآخر أنها تؤخر وتقدم وتغتسل للصلاتين، وجاء هنا في رواية البخاري أنها تغتسل بعد حيضتها المعتبرة، ثم تتوضأ لكل صلاة، وهذا الذي استقر عليه الأمر عند العلماء، أن المستحاضة تغتسل في نهاية حيضتها الاعتبارية، وتتوضأ لكل صلاة عند وجود دم الاستحاضة.

فإذا اغتسلت مستحاضة لكل صلاة من نفسها فلها ذلك، وإن قويت أن تغتسل وتجمع بين الوقتين، فتصلي في أول هذا، وآخر ذاك فلا مانع، وإن توضأت لكل صلاة، وصلت كل صلاة في وقتها فلا مانع.

الخلاصة أن المستحاضة لها ثلاث حالات: أن تميز بين دم الحيضة ودم الاستحاضة، إما باللون وهو السواد، وإما بالرائحة وهو النتن، وإما بالكثرة والغزارة، فدم الحيض أكثر عند خروجه من دم الاستحاضة، فتعمل بالتمييز.

وإذا التبس الأمر عليها، ولم يتميز الدم، فترد المستحاضة إلى غالب حيضات أغلب النسوة ستة أو سبعة أيام.

وإذا كانت لها حيضة سابقة، فإنها ترد إلى حيضتها التي كانت قبل الاستحاضة، وتغتسل وتطهر لمضي الحيضة الاعتبارية عند الجميع.

بعد ذلك ماذا تفعل؟ جاء أنها تغتسل للوقتين، وجاء أنها تغتسل لكل صلاة، وجاء أنها تتوضأ لكل صلاة بعد الغسل الأول، وهذا هو الواجب على المستحاضة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015