على كل حال على الإنسان أن ينصح، وعليه أن يأمر، وعليه أن ينهى، فمن اطلع على منكر، من رأى منكر فليغيره حسب استطاعته وقدرته بما لا يلحقه بسببه ضرر، فإن استطاع أن يغير باليد، وهذا في مقدور الولاة، ومن ولاهم الوالي، وفي مقدور ولي الأمر في البيت، وفي مقدور من لا يترتب على تغييره مفسدة، إذا ترتب على ذلك مفسدة فإنه يعدل حينئذٍ إلى التغيير باللسان، فإن لم يستطع فبلسانه، إذا خشي على نفسه من التغيير باللسان انتقل إلى المرحلة الأخيرة، وهي التغيير بالقلب، بأن يبغض المنكر، ويبغض أيضاً مرتكب المنكر؛ لأن هذا أمر مكروه لله ولرسوله، فيكره ما يكرهه الله ورسوله، ويبيت في نفسه أنه متى استطاع التغيير باللسان أنه يغير، ولا يقول: الحمد لله أنا معذور، ومرتاح من هذه الشعيرة؛ لأنني معذور، لا أنت لست بمعذور إلا إذا عجزت، ولا يرتب لك الأجر والثواب في الانتقال من المرحلة العليا إلى الدنيا إلا إذا تحقق العجز، وعدم الاستطاعة، مع تبييت النية أنك متى قدرت على المراتب العليا أنك تنتقل إليها، ولذا من ابتلي بالعمى مثلاً أو المرض أو العرج وما أشبه ذلك، إن فرح بهذه العلة؛ لأنه معذور من جهاد ونحوه فإنه يؤاخذ، لكن من منع بعلة لا يد له فيها، وخارجة عن قدرته وإرادته، وبيت في نفسه أنه متى زال عذره فعل ما أمر به هذا يؤجر مثل أجر غير الممنوع ((وإن لكم إخواناً بالمدينة ما هبطتم وادياً، ولا سلكتم فجاً إلا كانوا معكم)) يعني في الأجر ((حبسهم العذر)) لكن من فرح بهذا العذر لأنه يعفيه من الأمر والنهي والجهاد وغيره، لا شك أن هذا ملوم، فعلى الإنسان إذا لم يستطع التغيير باليد أن يعدل إلى التغيير باللسان، إذا خشي على نفسه من التغيير باللسان فإنه حينئذٍ يكتفي بالتغيير بالقلب ببغض المنكر، وبغض المرتكب للمنكر، وأنه متى تيسر له التغيير بما هو فوق ذلك يغير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015