مفهومه: أنه إذا سبق بغير ما من الأدوات النفي جاز، ومفهوم كلامه أيضاً جواز تقديم الخبر على الفعل وحده إذا كان النفي بما، بمعنى التوسط بين ما والفعل، ما قائماً كان زيد، هذا من باب الجواز فقط وإلا فيه ركاكة، ما قائماً كان زيد، يجوز؛ لأن المنع أن يتقدم على (ما) وهنا لم يتقدم على ما، وإنما تحايل تقدم على الفعل فحسب، ما قائماً كان زيد. جائز أو لا؟ جائز، هل نأخذه من كلام الناظم؟ نعم يدل عليه؛ لأنه قال: سَبْقُ خَبَرٍ مَا النَّافِيَهْ، أن يتقدم الخبر على ما النافية، فلو تقدم على الفعل ولم يتقدم على (ما) النافية فهو جائز، فالأصل جوازه وعليه الأكثرون توسط الخبر بين (مَا) والمنفي بها نحو: ما قائماً كان زيد، ومنعه بعضهم لأن الفعل مع ما كحبذا، فلا يفصل بينهما، ما كان مثل حبذا، لكن لا، حبذا هذا تركيب مثل بعلبك أو حضرموت، وأما ما كان ليس فيه تركيب، وإنما هو سبق حرف لفعل مثل: لم يكن، هذا ليس مركباً.

ثم قال: وَمَنْعُ سَبْقِ خَبَرٍ لَيْسَ اصْطُفِي

وَمَنْعُ: هذا مبتدأ.

اصْطُفِي: يعني اختير، الجملة خبر المبتدأ، ما الذي اختير؟ مَنْعُ سَبْقِ خَبَرٍ لَيْسَ يعني: لا يتقدم خبر ليس على ماذا؟ على اسمها دونها؟ سبق حكمه في قوله: وَفِي جَمِيعِهَا تَوَسُّطَ الْخَبَرْ أَجِزْ، قلنا: هذا عام، وهنا يتكلم عن الفعل نفسه.

وَمَنْعُ سَبْقِ خَبَرٍ لَيْسَ اصْطُفِي: أي: منع من منع أن يسبق الخبر لَيْسَ اصْطُفِي.

أي منع من منع أن يسبق الخبر ليس اصطفي أي: اختير، وهو رأي الكوفيين، بضعفها بعدم التصرف هي ضعيفة، وشبهها بما النافية، قياساً على فعل التعجب وعسى ونعم وبئس قالوا: هذه غير متصرفة، إذا كان الفعل ليس متصرفاً قالوا: هذا يضعف في التعامل مع معمولاته، إذا كان جامداً حينئذٍ لا يحصل له ما يحصل للمتصرف من حيث تقديم المفعول وتقديم الاسم أو متعلق المفعول أو متعلق الخبر .. إلى غير ذلك، فإذا كان جامداً حينئذٍ يلزم حالة واحدة هذا الأصل.

وهنا ليس أشبهت فعل التعجب، سبق أن (ما) التعجبية مبتدأ لا يجوز تقدم الخبر عليها، حينئذٍ نقول: ليس هنا أشبهت (ما) التعجبية، فعل التعجب، لماذا؟ لأنه لا يجوز أن يتقدم على مبتدئه.

وبعضهم أجاز ونسب إلى الجمهور استدلالاً بقوله تعالى: ((أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ)) [هود:8] ((لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ)) لَيْسَ ,هو، مَصْرُوفًا هذا خبر ليس، تقدم أو تأخر؟ تأخر، نحن نستدل بهذه الآية على تقدم الخبر على ليس، وهنا تأخر قالوا: ((يَوْمَ يَأْتِيهِمْ)) يَوْمَ هذا منصوب على ماذا؟ على الظرفية، والعامل فيه مصروفاً وهو الخبر، فتقدم على ليس، وتقدُّم معمول الخبر على الفعل يؤذن بجواز تقدم الفعل نفسه؛ لأنه لو لم يكن جائز أن يتقدم مصروفاً ما جاز أن يتقدم معموله؛ لأن المعنى واحد ارتباط العامل بالمعمول شيء واحد، والمعمول مكمل للعامل، والعامل لا يكمل إلا بمعموله، فإذا تقدم المعمول وهو فرع له وأثره، ومعناه موجود فيه، حينئذٍ يؤذن بجواز تقدم الخبر نفسه، وهذا واضح واستدلال جيد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015