لأن (سَابِقاً فِي الحُكْمِ أَوْ مُصَاحِباً) كقولك: ضربتُ زيداً وأهنتُ، قلنا: هذا ليس من باب التنازع، فزيداً يكون مفعولاً به لقوله: ضربت، ونُقدِّر للثاني: أهنت زيداً، فحذف من الثاني لا لكونه منازعاً للأول فأعطي الأول الاسم الظاهر لا، وإنما نقول: ضربت زيداً: فعل وفاعل ومفعولٌ به، وأهنت: هذا فعل وفاعل حذف مفعوله لدلالة ما قبله عليه، هذا مثله: (سَابِقاً في الحُكْمِ أَوْ مُصَاحِباً) حينئذٍ تَجويز بعضهم كالصبَّان وغيره: أن يكون مُصَاحِباً كذلك منازع فيه نظر، بل الصواب: أن التنازع إنما يكون بالسابقين، وهذا ما قرره ابن مالك فيما سبق: (إِنْ عَامِلاَنِ اقْتَضَيَا فِي اسْمٍ عَمَلْ قَبْلُ).

إذاً: يشترط في التنازع: أن يكون العاملان سابقين، فإن توسط بينهما خرجا من باب التنازع، إن تأخرا خرجا من باب التنازع، فالذي تأخر خرج من باب التنازع، والذي تَقدَّم فالحكم باقٍ له.

(فَاعْطِفْ بِواوٍ لاَحِقاً) يعني: أن يكون ما بعده لاحقاً وتابعاً في الوجود لما قبله، تقول: جاء زيدٌ وعمرو بعده، هذا لاحق عمرو معطوفٌ على زيد وهو بعده، تقول: جاء زيدٌ وعمروٌ بعده، (أَوْ سَابِقاً) جاء زيدٌ وعمروٌ قبله، إذاً: عطفت عمرو وهو سابق على زيد في المجيء، أيهما جاء أولاً؟ جاء زيدٌ وعمروٌ قبله، (أَوْ مُصاحِباً) جاء زيدٌ وعمروٌ معه، الواو هنا عطفت عمراً على زيد، وهو مصاحبٌ لما قبله، هذا فيما إذا نُصَّ، يعني: إذا جاءت قرينة ظاهرة واضحة بينة، حينئذٍ نَحمل ما بعد الواو على أحد هذه المعاني الثلاث.

إمَّا أن يكون لاحقاً بأن يكون ما بعد الواو وصف بالعامل .. مقتضى العامل بعدما وصف به ما قبل الواو: جاء زيدٌ، اتصف زيدٌ بالمجيء، وعمروٌ بعده، عمروٌ: معطوفٌ على زيد، متى جاء؟ بعد زيد، إذاً: وصف الأول بمضمون العامل وهو المجيء، ثم بينهما زمن أو فترة أو دون ذلك، فُوصف ما بعد الواو بما قبل الواو.

(أَوْ سَابِقاً) عكس الأول، جاء زيدٌ وعمروٌ قبله، فالسابق في المجيء هو عمرو، وقد وقع بعد الواو، إذاً: عُطِف بها سابق على لاحق.

(أَوْ مُصَاحِباً) يعني بمعنى: المعية.

ومن الأول قوله تعالى: ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ)) [الحديد:26] هذا لاحق، نوح قبل إبراهيم، وإبراهيم لاحق، ونوح أول الرسل.

ومن الثاني وهو السابق: ((كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ)) [الشورى:3] يوحى إليك النبي صلى الله عليه وسلم، وهو خاتم الرسل، ((وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ)) [الشورى:3] الواو حرف عطف، عطفت السابق على اللاحق، وهذا واضح بيِّن، ... ((فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ)) [العنكبوت:15] الواو هنا للمصاحبة.

(أَوْ مُصَاحِباً مُوَافِقَاً) موافقاً له .. متابعاً له: هذا صفة لمصاحباً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015