وسبق أن خلافاً بين النحاة في هذا التنوين، هل هو تنوين عوضٍ عن حرف، أو تنوين تمكين؟ والجماهير على أنه تنوين تمكين، وليس تنوين عوضٍ عن حرفٍ، والذي يكون عوضاً عن حرف ليس في: قاضي، ومشتري، وإنما هو في الجمع المنتهي، أو صيغة منتهى الجموع كـ: (جوارٍ وغواشٍ) وهذا سيأتي في الممنوع من الصرف، وأمَّا: تالٍ ونحوه كـ: (مشترٍ وقاضٍ) نقول: هذا التنوين تنوين تمكين، بدليل رجوع الياء وبقاءها مع التنوين في حالة النصب: رأيت قاضياً، لو كان التنوين عوضاً عن حرف، العوض لا يجتمع مع المعوض عنه، البدل والبدل منه لا يجتمعان، فإذا قيل: قاضٍ، التنوين هذا عوض عن ياء، حينئذٍ ما هو هذا التنوين في قوله: رأيت قاضياً .. ما نوعه، الياء موجودة، أين العِوض .. أين المعَوض عنه؟ لم تحذف الياء، فنبقى على ماذا؟ فيه إشكال، والصواب أنه تنوين تمكين، وليس بتنوين عوضٍ عن حرف.

إذاً: (تَالٍ) هذا خبر مُقدَّم مرفوع، ورفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، وما هما الساكنان؟ الياء: تالي، لأن الحركة هنا محذوفة للثقل، حينئذٍ نوينا وقدرنا الحركة، ثم نُوِّن والتنوين حكمه أنه واجب لأنه نكرة، نُوِّن فالتقى ساكنان: الياء والتنوين، فقيل: تَالٍ، إذاً تالٍ: هذا خبر مُقدَّم و (بِحَرْفٍ) مُتعلِّقٌ به لأنه اسم فاعل و (مُتْبِعٍ) نعتٌ لـ حَرْفٍ.

تَالٍ المراد به: تابع، فهو جنس دخل فيه جميع التوابع، قوله: (بِحَرْفٍ) يعني: تبع ما قبله وشارك ما قبله في إعرابه بواسطة حرفٍ، حينئذٍ خرجت جميع التوابع الأربعة: النعت، والتوكيد وعطف البيان والبدل، لأنها تتبع متبوعها بدون واسطة حرفٍ، وهذا الحكم خاصٌ بعطف النسق.

(تَالٍ بِحَرْفٍ مُتْبِعٍ) يعني: الحرف هو المُتْبِع الذي أتْبَع ما بعده بما قبله، في الحكم والمعنى، أو في الحكم فقط، يعني: في اللفظ والمعنى، أو في اللفظ فقط، بمعنى: أنه شَرَّكَه فيما قبله في الإعراب والمعنى، أو شَرَّكَه في الإعراب لا في المعنى، وبذلك نَعْرف أن القسمة ثنائية أو ثلاثية.

(تَالٍ بِحَرْفٍ مُتْبِعٍ) بِحرفٍ، الناظم هنا قال: (بِحَرْفٍ) الصَبَّان قال: ولو تقديراً بناءً على مذهب الناظم الذي نذكره دائماً أنه يجوز حذف حرف العطف بين المتعاطفين، وهذه مسألة مختلف فيها بين النحاة، اتفقوا على جوازها في النظم .. الشعر، اتفقوا على جوازها في النظم، تقول: جاء زيدٌ عمروٌ، وأيُّ عمروٌ؟ معطوف على ما سبق بحذف حرف العطف وهذا كثير، ولذلك قال:

(فَالْعطْفُ مُطْلقاً بِوَاوٍ ثمَّ فَا) يعني: بواوٍ وثم وفاء: (حَتَّى أَمَ اوْ كَفِيكَ) حَتَّى وحتى وأم، كلها حذفت الواو، هذا جائز باتفاق، مع كون كل حرفٍ أو كل لفظٍ من هذه الألفاظ تابعٌ لما قبله بواسطة الواو، فهو عطف نسق، لو قيل: عطف نسق (بِوَاوٍ ثُمَّ) (ثمَّ) هذا معطوف على واو في مَحل جر، كيف معطوف عليه بدون حرف عطف، نقول: حرف هنا مقدر بمعنى: أنه حذف أسقط، لكنه منوي، وإذا كان كذلك حينئذٍ لم يخرج عن حد عطف النسق، فيقال: هو التابع المتوسط بينه وبين متبوعه أحد الحروف الآتي ذكرها، أين الحرف هنا؟ نقول: هذا مقدر، وهذا متفق عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015