شارك فعِل المتعدي فعَل، شاركه لماذا؟ لأن المتعدي في باب فعِل كثير واللازم قليل، وفعَل كله بنوعيه كثير، وحينئذٍ بجامع الكثرة شارك فعِل المتعدي فعَل مطلقاً كما الشأن في أوزان المصادر.

فإن كان الفعل على وزن فعِل بكسر العين فإما أن يكون متعدياً أو لازماً، فإن كان متعدياً فقياسه أيضاً أن يأتي اسم فاعله على فاعل نحو: ركِبَ فهو راكب، وعلِمَ فهو عالم.

إذاً: قصد بهذا البيت أن صياغة اسم الفاعل تكون على القياس مطردة فيما إذا كان الفعل الثلاثي على وزن فعَل مطلقاً لازماً أو متعدياً، وفيما كان على وزن فعِل بكسر العين بشرط أن يكون متعدياً.

وأما فعِل اللازم وفعُل قلنا: لا يكون إلا لازماً، فمجيء اسم الفاعل منهما على وزن فاعل شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه. وعبر عنه الناظم بقوله: قليل، مثل حَمُض على وزن فَعُل. سمع منه: حامض، حامض مشهورة هذه، نقول: هذا شاذ، ورد في لسان العرب يحفظ ولا يقاس عليه. وطهُر على وزن فعُل فهو طاهر، نقول: هذا شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه. من طهُر لا من طهَر، عندنا طهُر وطهَر، طهُر مجيء اسم الفاعل منه على وزن فاعل طاهر؛ نقول: هذا شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه. ونعُم فهو ناعم، وفرُه فهو فاره، حينئذٍ نقول: هذا شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه.

وكذلك مجيء فاعل من فعل اللازم نقول: هذا كذلك شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه.

عقرت المرأة فهي عاقر؛ هذا مشهور، ومع ذلك نحكم عليه بكونه شاذاً، يعني: مخالف للقياس؛ لأن اسم الفاعل على زنة فاعل إنما يكون مقيساً في فعَل المتعدي واللازم وفعِل المتعدي، وأما فعِل اللازم .. فعِل بكسر العين اللازم وفعُل ولا يكون إلا لازماً؛ إذا سمع فيه فاعل حكمنا عليه بكونه شاذاً، يعني يحفظ ولا يقاس عليه. وإلى هذا أشار بقوله: وَهْوَ قَلِيلٌ: وَهْوَ بإسكان الهاء للوزن.

وَهْوَ قَلِيلٌ فِي:"فَعُلْت"وفَعِلْ

وَهْوَ: الضمير يعود إلى فاعل، يعني: وزن فاعل، وهذا يكاد أن يكون كالاستثناء مما سبق؛ لأنه أطلق في السابق قال: مِنْ ذِي ثَلاَثََةٍ. لم يقيده .. المعدى كما ذكره في أوزان المصدر.

إذاً: لما كان قوله السابق: (مِنْ ذِي ثَلاَثََةٍ) بإطلاقه يشمل فعُل وفعِل اللازم فيوهم كثرة مجيء اسم فاعلهما على فاعل مع أنهما ليسا كذلك، دفع هذا الإيهام بقوله: وَهْوَ قَلِيلٌ. إذاً: هذا كالاستثناء مما سبق.

وَهْوَ: أي صوغ فاعل.

قَلِيلٌ: أي شاذ، وحكمنا على كلام الناظم هنا بكونه قليل مع أنه لا يستخدم هذا، إنما قد يستخدم ندر، قليل لا يستخدمه في معنى الشاذ:

وَفِي فَعِيلٍ قَلَّ ذَا وَفَعِلِ

قَلَّ: يعني قليل وليس بشاذ. لماذا حكمنا بكونه شاذاً هنا؟ نقول: لقوله: بَلْ قِيَاسُهُ فَعِلْ، ماذا قال؟ وَهْوَ قَلِيلٌ في فَعُلْتُ وَفَعِلْ غَيْرَ مُعَدًّى بَلْ هذا إضراب وانتقال .. قِيَاسُهُ: يعني قياس فعِل اللازم .. فَعِلْ .... وَأَفْعَلٌ فَعْلاَنُ، فدل على أن القلة المراد بها في كلام الناظم: الشذوذ.

وَهْوَ قَلِيلٌ: وَهْوَ: مبتدأ. وقَلِيلٌ: خبر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015