إذن: شبّهَ الصورة الحاصلة بعد الحذف بالصورةِ قبلَ الحذف، وهي عينُها، كأنه قال: زيدٌ كزيدٍ، هل يصحّ؟ لا يصحّ أن يقال: زيد كزيد، فلا يُشبّه زيد بزيد، وإنما يُشبّه زيد بذاتٍ مُغايرة، وهنا لم يحصل التغاير، نقول: حصلَ التغايرُ باعتبار صورة التركيب، فذكرُ المضافِ مع المضاف إليه هذه صورة، وحذف المضاف مع إبقاء المضاف إليه مجروراً كحاله قبل الحذف هذه صورة أخرى، فشبّهَ الثاني بالأول .. شبّه الثاني الذي هو بعدَ حذف المضاف بالأول الذي ذُكِر فيه المضاف والمضاف إليه. والمغاير بينَ المشبّه والمشبه به لا بالذات بل باعتبار اختلاف صورة التركيب، أو على أن العرض لا يبقى زمانين ووجهُ الشبهِ كون كل بالمضاف، لكن الأول أولى، أن يُقال: شبّه صورة التركيب بصورةِ تركيب آخر، وهنا تحصلُ المغايرة كما ذكرناه في (زيد غير عمروٍ)، قلنا هنا حصلت المغايرة بالتنوع الشخصي، أما الماهية فهي عينُ الماهية، فمطلقُ المغايرةِ حاصلة بغير، كذلك هنا مُطلق المغايرة بينَ المشبه والمشبه به حاصلةٌ، فالتركيبُ الذي فيه المضاف قبلَ حذفه وإبقاء المضاف إليه مجروراً مع ذكرِ العامل ليست هي عين الصورة في حذفِ المضاف وإبقاء المضاف إليه كحاله، ولذلك قال: كَمَا، وجاء بكاف التشبيه.

كَمَا قَدْ كَانَ قَبْلَ حَذْفِ مَا تَقَدَّمَا، الذي تقدّما الألف للإطلاق وهو المضاف، لَكِنْ حرف استدراك، لكن يعني: لا يتوهّم أنه يبقى المضاف إليه كحاله قبلَ حذف المضاف مُطلقاً، لا، بشرط، وكلما قُيّد الشيء بشرط دلَّ على أنه فرعٌ وأنه ضعيف، كلما قُيّد بشيء .. وخاصّة هنا خروج عن خرج، يعني ليسَ هو أصل حتى نقول: كاسم الفاعل إذا قُيّد فهو على الأصل، لا. هنا خروج عن خروج. الأصلُ عدمُ الحذف، الأصل أنه إذا حُذِف المضاف أُقيم المضاف إليه مقامَه فارتفع ارتفاعَه، هذا الأصل، وَمَا يَلِي الْمُضَافَ يَأْتِي خَلَفَا عَنْهُ فِي الاِعْرَابِ، هذا الأصل وهو المطّرد في لسان العرب، لكن إبقاؤه على حاله دون أن يأخذَ حكمَ المضاف نقول: هذا خروج عن خروج.

لَكِنْ: حرف استدراك.

بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَا حُذِفْ: الذي هو المضاف.

مُمَاثِلاً: لفظاً ومعنى.

لِمَا عَلَيْهِ قَدْ عُطِفْ: على المعطوف عليه، يعني يُشترَط في المضاف الذي يبقى المضاف إليه كحاله فلا يرتفع ارتفاعه ولا ينتصب انتصابه: أن يكونَ معطوفاً على مماثِلٍ في اللفظ والمعنى، ليصيرَ دليلاً قوياً على المحذوف، فحينئذٍ نقول: لا يجوزُ حذفُ المضاف وإبقاء المضاف إليه كحاله دونَ أن يأخذَ حكمَ إعراب المضاف إلا إذا عُطِف على مماثل، والمماثلة هنا تكون في اللفظ والمعنى، أما المعنى دون اللفظ فهذا فيها خلاف كبير والأكثر على المنع، لكن بشرط أن يكون والشرط معلوم: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، حينئذٍ نقول: هذا شرطٌ وجودُه يتحقّق الحكم، انتفاؤه حينئذٍ يرتفع الحكم.

أَنْ يَكُونَ مَا حُذِفْ: (ما) هذا اسم يكون، صادق على المضاف، (مُمَاثِلاً) هذا خبر يكون، أَنْ يَكُونَ بشرط كون، أَنْ يَكُونَ كون أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، بشرط كون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015