عَلَى اعْتِرَافِهِمَا بِالرَّأْيِ بَعْدَ نَصِّهِ عَلَى الْحُكْمِ.

وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: أَرَادَ جِنْسَ النِّسَاءِ وَأَنَّهُنَّ يَسْعَيْنَ إِلَى صَرْفِ الْحَقِّ.

وَقَدْ رُوِيَ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ: أَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ وَدَاوُدَ وَجُرَيْجٍ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُنَّ مَائِلَاتٍ مُمِيلَاتٍ، وَفِيهِ مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ، وَخَرَجَ كَلَامُهُ عَلَى جِهَةِ الْغَضَبِ عَلَى أَزْوَاجِهِ وَهُنَّ فَاضِلَاتٌ، وَأَرَادَ غَيْرَهُنَّ مِنْ جِنْسِ النِّسَاءِ.

(مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ لِأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا) لِأَنَّ كِلَاهُمَا صَادَفَ الْمَرَّةَ الثَّالِثَةَ مِنَ الْمُعَاوَدَةِ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُرَاجَعُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَلَمَّا أَشَارَ إِلَى الْإِنْكَارِ عَلَيْهَا بِمَا ذَكَرَ وَجَدَتْ حَفْصَةُ فِي نَفْسِهَا؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ هِيَ الَّتِي أَمَرَتْهَا بِذَلِكَ، وَلَعَلَّهَا تَذَكَّرَتْ مَا وَقَعَ لَهَا أَيْضًا مَعَهَا فِي قِصَّةِ الْمَغَافِيرِ. قَالَهُ الْحَافِظُ.

وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ أَنَّ الْمُكْتَرِبَ رُبَّمَا قَالَ قَوْلًا يَحْمِلُهُ الْحَرَجُ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ حَفْصَةَ لَمْ تَعْدَمْ مِنْ عَائِشَةَ خَيْرًا، وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي السَّلَفِ الصَّالِحِ فَأَحْرَى مَنْ دُونَهُمْ، وَزَادَ الدَّوْرَقِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ الَّذِي أَمَرَ عَائِشَةَ أَنْ تُشِيرَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَأْمُرَ عُمَرَ بِالصَّلَاةِ، وَكَذَا فِي مُرْسَلِ الْحَسَنِ عِنْدَ ابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ.

زَادَ الْأَسْوَدُ، عَنْ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى.

وَلَهَا أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: فَأَتَاهُ الرَّسُولُ؛ أَيْ: بِلَالٌ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا: يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ.

قَالَ الْحَافِظُ: وَلَمْ يُرِدْ أَبُو بَكْرٍ بِهَذَا مَا أَرَادَتْهُ عَائِشَةُ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: تَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ تَوَاضُعًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَالَهُ لِلْعُذْرِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَنَّهُ رَقِيقُ الْقَلْبِ كَثِيرُ الْبُكَاءِ فَخَشِيَ أَنْ لَا يُسْمِعَ النَّاسَ، انْتَهَى.

وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ فَهِمَ مِنَ الْإِمَامَةِ الصُّغْرَى الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى، وَعَلِمَ مَا فِي تَحَمُّلِهَا مِنَ الْخَطَرِ، وَعَلِمَ قُوَّةَ عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ فَاخْتَارَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ عِنْدَ الْبَيْعَةِ أَشَارَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْمُرَاجَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَفَهِمَ مِنَ الْأَمْرِ لَهُ بِذَلِكَ تَفْوِيضَ الْأَمْرِ لَهُ بِذَلِكَ سَوَاءٌ بَاشَرَ بِنَفْسِهِ أَوِ اسْتَخْلَفَ.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ لِلْمُسْتَخْلَفِ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ وَلَا يَتَوَقَّفَ عَلَى إِذْنٍ خَاصٍّ لَهُ بِذَلِكَ، انْتَهَى.

قَالَ أَبُو عُمَرَ: اسْتَدَلَّ الصَّحَابَةُ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَوْلَى بِالْخِلَافَةِ فَرَضُوا لِدُنْيَاهُمْ مَنْ رَضِيَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِدِينِهِمْ، وَمَا مَنَعَهُ أَنْ يُصَرِّحَ بِخِلَافَتِهِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لَا يَنْطِقُ فِي دِينِ اللَّهِ بِهَوَاهُ بَلْ بِمَا يُوحَى إِلَيْهِ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ فِي الْخِلَافَةِ بِشَيْءٍ، وَكَانَ لَا يَتَقَدَّمُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلِيفَةَ فَأَرَاهُمْ بِتَقْدِيمِهِ لِلصَّلَاةِ مَوْضِعَ اخْتِيَارِهِ فَخَارَ اللَّهُ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَقَاتَلَ أَهْلَ الرِّدَّةِ، وَقَامَ بِأَمْرِ اللَّهِ.

وَقَالَ عُمَرُ لِلْأَنْصَارِ يَوْمَ السَّقِيفَةِ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: أَيُّكُمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يُزِيلَهُ عَنْ مَقَامٍ أَقَامَهُ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالُوا: كُلُّنَا لَا تَطِيبُ نَفْسُهُ بِذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَكَانَ رُجُوعُ الْأَنْصَارِ لِكَلَامِ عُمَرَ، انْتَهَى.

وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّلَاةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015