وَعَلَى الثَّانِي يُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ، وَيُقَوِّي الصَّحِيحَ أَيْضًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْهَدْيِ هُنَا التَّصْدِيقُ، وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ سُمَيٍّ زِيَادَةُ مَرْتَبَةٌ بَيْنَ الدَّجَاجَةِ وَالْبَيْضَةِ وَهِيَ الْعُصْفُورُ، وَلَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ زِيَادَةُ بَطَّةٍ فَقَالَ فِي الرَّابِعَةِ: فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَطَّةً وَجَعَلَ الدَّجَاجَةَ فِي الْخَامِسَةِ وَالْبَيْضَةَ فِي السَّادِسَةِ، لَكِنْ خَالَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فَلَمْ يَذْكُرْهَا وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ فِي مَعْمَرٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ وَإِنْ صَحَّ إِسْنَادُهُمَا فَهُمَا شَاذَّتَانِ لِمُخَالَفَتِهِمَا الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةَ.

(فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ) فِي الْجَامِعِ عَمَّا كَانَ مَسْتُورًا فِيهِ أَوْ غَيْرِهِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِمَا اسْتَنْبَطَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْهُ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْمُبَادَرَةُ بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّأْخِيرُ لِوَقْتِ الْخُطْبَةِ، قَالَ: وَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ مِنْ أَقْرَبِ أَبْوَابِهِ إِلَى الْمِنْبَرِ، وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّ مَا قَالَهُ لَا يَظْهَرُ لِإِمْكَانِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ بِأَنْ يُبَكِّرَ وَلَا يَخْرُجَ مِنَ الْمَكَانِ الْمُعَدِّ لَهُ فِي الْجَامِعِ إِلَّا إِذَا حَضَرَ الْوَقْتُ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ مَكَانٌ مُعَدٌّ (حَضَرَتِ) بِفَتْحِ الضَّادِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا (الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ) مَا فِي الْخُطْبَةِ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَغَيْرِهَا وَهُمْ غَيْرُ الْحَفَظَةِ وَظِيفَتُهُمْ كِتَابَةُ حَاضِرِي الْجُمُعَةِ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمْعَةِ وَقَفَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكَرَ» " وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ سُمَيٍّ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، فَكَانَ ابْتِدَاءُ طَيِّ الصُّحُفِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَانْتِهَاؤُهُ بِجُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ أَوَّلُ سَمَاعِهِمْ لِلذِّكْرِ.

وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ: " عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَكَانِ يَكْتُبَانِ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ " فَكَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ جِنْسُ الْبَابِ وَيَكُونُ مِنْ مُقَابَلَةِ الْمَجْمُوعِ بِالْمَجْمُوعِ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ أَجَازَ التَّعْبِيرَ عَنِ الِاثْنَيْنِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ.

وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ بَعَثَ اللَّهُ مَلَائِكَةً بِصُحُفٍ مِنْ نُورٍ وَأَقْلَامٍ مِنْ نُورٍ» " الْحَدِيثَ، فَبَيَّنَ صِفَةَ الصُّحُفِ وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ الْحَفَظَةِ، وَالْمُرَادُ بِطَيِّ الصُّحُفِ عَلَى صُحُفِ الْفَضَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمُبَادِرِ إِلَى الْجُمُعَةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ وَإِدْرَاكِ الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالْخُشُوعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكْتُبُهُ الْحَافِظَانِ قَطْعًا.

وَفِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ: " «فَمَنْ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَجِيءُ لِحَقِّ الصَّلَاةِ» " وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُمَيٍّ زِيَادَةٌ فِي آخِرِهِ هِيَ: " «ثُمَّ إِذَا اسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» " وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ: " «فَيَقُولُ بَعْضُ الْمَلَائِكَةِ لِبَعْضٍ: مَا حَبَسَ فُلَانًا فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ ضَالًّا فَاهْدِهِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنِهِ، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَعَافِهِ» " وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ الْحَضُّ عَلَى الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015