الذَّهَابُ وَالْفَوَاتُ، فَإِذَا ذَهَبَ فِي الْخَيْرِ فَهُوَ أَوْلَى، وَادَّعَى الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنَّ رِوَايَةَ التَّحْتِيَّةِ تَصْحِيفٌ.

(وَقَدْ سَمِعْتُ) أَنَا (مَا قُلْتَ) أَنْتَ (فِيهِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ) ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: قَبِلْنَاهُ مِنْكَ، وَرَدَدْنَاهُ عَلَيْكَ فَاجْعَلْهُ فِي الْأَقْرَبِينَ، (فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ) - بِضَمِّ اللَّامِ مُضَارِعٌ - (يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ) ، عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ.

وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ: «فَجَعَلَهَا لِحَسَّانَ، وَأُبَيٍّ، وَأَنَا أَقْرَبُ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِي مِنْهَا، فَبَاعَ حَسَّانُ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَبِيعُ صَدَقَةَ أَبِي طَلْحَةَ؟ فَقَالَ: أَلَا أَبِيعُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ بِصَاعٍ مِنْ دَرَاهِمَ» ؟ وَفِي مُرْسَلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ: فَرَدَّهُ عَلَى أَقَارِبِهِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَخِيهِ، أَوِ ابْنِ أَخِيهِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، وَنُبَيْطِ بْنِ جَابِرٍ، فَتَقَاوَمُوهُ فَبَاعَ حَسَّانُ حِصَّتَهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، أَيْ بَعْدِ ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَوَى إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ: «فَقَسَمَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ، أَيْ أَقَارِبِ أَبِي طَلْحَةَ» ، وَإِضَافَةُ الْقَسْمِ إِلَى الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّهُ الْآمِرُ بِهِ، وَإِنْ شَاعَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ، لَكِنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ لَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ، وَالصَّوَابُ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ كَرِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، وَفِيهِ التَّمَسُّكُ بِالْعُمُومِ ; لِأَنَّ أَبَا طَلْحَةَ فَهِمْ مِنَ الْآيَةِ تَنَاوُلَ ذَلِكَ الْجَمْعِ أَفْرَادَهُ، فَلَمْ يَقِفْ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ الْبَيَانَ عَنْ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ بَلْ بَادَرَ إِلَى إِنْفَاقِ مَا يُحِبُّهُ وَأَقَرَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِأَبِي طَلْحَةَ لِأَنَّ الْآيَةَ تَضَمَّنَتِ الْحَثَّ عَلَى الْإِنْفَاقِ مِنَ الْمَحْبُوبِ، فَتَرَقَّى هُوَ إِلَى إِنْفَاقِ أَحَبِّ الْمَحْبُوبِ فَصَوَّبَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَكَرَ فِعْلَهُ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَخُصَّ بِهَا أَهْلَهُ، وَكَنَّى عَنْ رِضَاهُ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: بَخْ، وَزِيَادَةُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى نِصَابِ الزَّكَاةِ، خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَهَا بِهِ، وَصَدَقَةُ الصَّحِيحِ بِأَكْثَرِ مِنْ ثُلُثِهِ ; لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَفْصِلْ أَبَا طَلْحَةَ عَنْ قَدْرِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ، وَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» ، وَفِيهِ جَوَازُ حُبِّ الْمَالِ لِلرَّجُلِ الْفَاضِلِ الْعَالِمِ، وَأَنَّهُ لَا نَقْصَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنِ الْإِنْسَانِ بِقَوْلِهِ: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8] (سورة الْعَادِيَاتِ: الْآيَةُ 8) ، وَالْخَيْرُ: الْمَالُ اتِّفَاقًا وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ.

وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الزَّكَاةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْوِكَالَةِ عَنْ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ، وَفِي الْوَقْفِ، وَفِي الْأَشْرِبَةِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَفِي التَّفْسِيرِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَمُسْلِمٌ فِي الزَّكَاةِ عَنْ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونُ عَنْ إِسْحَاقَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015