فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا: " «لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا جَرَسٌ» "، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا فِي ذَلِكَ إِلَّا هَذَا الْقَوْلَ الثَّالِثَ، فَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِتَعْلِيقِ الْجَرَسِ فِي رِقَابِ الْخَيْلِ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجَيْشَانِيِّ رَفَعَهُ: " «ارْكَبُوا الْخَيْلَ، وَقَلِّدُوهَا وَلَا تُقَلِّدُوهَا الْأَوْتَارَ» "، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا اخْتِصَاصَ لِلْإِبِلِ، وَحَمَلَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ الْأَوْتَارَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَعْنَى النَّارِ كَالْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: ضَعِيفٌ، وَإِلَى قَوْلِ النَّضْرِ جَنَحَ وَكِيعٌ فَقَالَ: الْمَعْنَى لَا تَرْكَبُوا الْخَيْلَ فِي الْفِتَنِ، فَإِنَّ مَنْ رَكِبَهَا لَمْ يَسْلَمْ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ وَتَرٌ يُطْلَبُ بِهِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ الْجُمْهُورُ: أَنَّ النَّهْيَ لِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، وَقِيلَ: لِلتَّحْرِيمِ، وَقِيلَ: يُمْنَعُ مِنْهُ بِلَا حَاجَةٍ وَيَجُوزُ لَهَا.
وَعَنْ مَالِكٍ: تَخْصِيصُ كَرَاهَةِ الْقَلَائِدِ بِالْوَتَرِ، وَيَجُوزُ بِغَيْرِهَا إِذَا لَمْ يَقْصِدْ دَفْعَ الْعَيْنِ هَذَا كُلُّهُ فِي تَعْلِيقِ تَمَائِمَ وَغَيْرِهَا لَا قُرْآنَ فِيهَا وَنَحْوَهُ.
فَأَمَّا مَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ، فَلَا يُنْهَى عَنْهُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُجْعَلُ لِلْبَرَكَةِ بِهِ، وَالتَّعَوُّذِ بِأَسْمَائِهِ وَذِكْرِهِ، انْتَهَى.
وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجِهَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ فِي اللِّبَاسِ عَنْ يَحْيَى، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ.