فَسَمِعَهُ عُمَرُ وَبِلَالٌ فَسَبَقَ عُمَرُ بِلَالًا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ جَاءَ بِلَالٌ فَقَالَ لَهُ: " سَبَقَكَ بِهَا عُمَرُ» " قَالَ: وَقَدِ اسْتَشْكَلَ إِثْبَاتُ حُكْمِ الْأَذَانِ بِرُؤْيَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ لِأَنَّ رُؤْيَا غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ مُقَارَنَةِ الْوَحْيِ لِذَلِكَ أَوْ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِمُقْتَضَى الرُّؤْيَا لِيَنْظُرَ أَيُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ أَمْ لَا، وَلَا سِيَّمَا لَمَّا رَأَى نَظْمَهَا يَبْعُدُ دُخُولُ الْوَسْوَاسِ فِيهِ، وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ اجْتِهَادِهِ فِي الْأَحْكَامِ وَهُوَ الْمَنْصُورُ فِي الْأُصُولِ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَحَدِ كِبَارِ التَّابِعِينَ «أَنَّ عُمَرَ لَمَّا رَأَى الْأَذَانَ جَاءَ لِيُخْبِرَ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدَ الْوَحْيَ قَدْ وَرَدَ بِذَلِكَ فَمَا رَاعَهُ إِلَّا أَذَانُ بِلَالٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " سَبَقَكَ بِذَلِكَ الْوَحْيُ» "، وَهَذَا أَصَحُّ مِمَّا حَكَى الدَّاوُدِيُّ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ «أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَذَانِ قَبْلَ أَنْ يُخْبِرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ وَعُمَرُ بِثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ» وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ شُرِعَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ مِنْهَا لِلطَّبَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ الْأَذَانَ فَنَزَلَ بِهِ فَعَلَّمَهُ بِلَالًا» ، وَفِي إِسْنَادِهِ طَلْحَةُ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَذَانِ حِينَ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ» وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَلِابْنِ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: " «لَمَّا أُسْرِيَ بِي أَذَّنَ جِبْرِيلُ فَظَنَّتِ الْمَلَائِكَةُ أَنَّهُ يُصَلِّي بِهِمْ فَقَدَّمَنِي فَصَلَّيْتُ» " وَفِيهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ.

وَلِلْبَزَّارِ وَغَيْرِهِ عَنْ عَلِيٍّ: «لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُعَلِّمَ رَسُولَهُ الْأَذَانَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ بِالْبُرَاقِ فَرَكِبَهَا» الْحَدِيثَ وَفِيهِ: «إِذْ خَرَجَ مَلَكٌ مِنَ الْحِجَابِ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَفِي آخِرِهِ فَأَخَذَ الْمَلَكُ بِيَدِهِ فَأَمَّ بِأَهْلِ السَّمَاءِ» .

وَفِي إِسْنَادِهِ زِيَادُ بْنُ الْمُنْذِرِ أَبُو الْجَارُودِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ أَيْضًا، وَيُمْكِنُ عَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى تَعَدُّدِ الْإِسْرَاءِ فَيَكُونُ وَقَعَ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ، وَقَوْلُ الْقُرْطُبِيِّ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ سَمِعَهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا فِي حَقِّهِ فِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلَهُ: لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُعَلِّمَ رَسُولَهُ الْأَذَانَ وَكَذَا قَوْلُ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ: يُحْمَلُ الْأَذَانُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ عَلَى الْأَذَانِ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ الْإِعْلَامُ فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا لِتَصْرِيحِهِ بِصِفَتِهِ الْمَشْرُوعَةِ فِيهِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَقَدْ جَزَمَ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي بِلَا أَذَانٍ مُنْذُ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ إِلَى أَنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ إِلَى أَنْ وَقَعَ التَّشَاوُرُ فِي ذَلِكَ» عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، انْتَهَى.

وَمِنَ الْوَاهِي أَيْضًا مَا لِابْنِ شَاهِينَ عَنْ زِيَادِ بْنِ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنِي الْعَلَاءُ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ الْحَنَفِيَّةِ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ الْأَذَانَ رُؤْيَا رَآهَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَفَزِعَ وَقَالَ: عَمَدْتُمْ إِلَى أَحْسَنِ دِينِكُمْ فَزَعَمْتُمْ أَنَّهُ كَانَ رُؤْيَا هَذَا وَاللَّهِ الْبَاطِلُ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا عُرِجَ بِهِ انْتَهَى إِلَى مَكَانٍ مِنَ السَّمَاءِ وَقَفَ وَبَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا مَا رَآهُ أَحَدٌ فِي السَّمَاءِ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَعَلَّمَهُ الْأَذَانَ» ، فَفِيهِ كَمَا رَأَيْتَ زِيَادُ بْنُ الْمُنْذِرِ مَتْرُوكٌ، وَقَدْ صَرَّحَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ بِأَنَّ هَذَا بَاطِلٌ.

قَالَ الْحَافِظُ: وَقَدْ حَاوَلَ السُّهَيْلِيُّ الْجَمْعَ فَتَكَلَّفَ وَتَعَسَّفَ وَالْأَخْذُ بِمَا صَحَّ أَوْلَى، فَقَالَ بَانِيًا عَلَى صِحَّةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015