الْحَافِظُ: كَأَنَّ رَبِيعَةَ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ الْحَدِيثُ، قَالَ: وَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ: يُعْتَقُ كُلُّهُ وَيَكُونُ نَصِيبُ مَنْ لَمْ يُعْتِقْ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِتَصْرِيحِهِ بِالتَّقْوِيمِ عَلَى الْمُعْتِقِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: يُخَيَّرُ الشَّرِيكُ بَيْنَ أَنْ يُقَوَّمَ نَصِيبُهُ أَوْ يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ إِلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُوَافِقْهُ أَحَدٌ حَتَّى وَلَا صَاحِبَاهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا خِلَافَ أَنَّ التَّقْوِيمَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى الْمُوسِرِ، ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي وَقْتِ الْعِتْقِ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ وَالشَّافِعِيُّ - فِي الْأَصَحِّ - وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: يُعْتَقُ فِي الْحَالِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ نَصِيبَهُ كَانَ لَغْوًا، وَيُغَرَّمُ الْمُعْتِقُ حِصَّةَ نَصِيبِهِ بِالتَّقْوِيمِ لِرِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: " «مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا وَكَانَ لَهُ مِنَ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ قِيمَتَهُ فَهُوَ عَتِيقٌ» ". وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: " «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ فِيهِ شُرَكَاءُ وَلَهُ فِيهِ وَفَاءٌ فَهُوَ حُرٌّ، وَيَضْمَنُ نَصِيبَ شُرَكَائِهِ بِقِيمَتِهِ» ".

وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ احْتِجَاجٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَثُرَتْ أَلْفَاظُهَا فَالْحَدِيثُ وَاحِدٌ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِرَدِّ الْمُطْلَقِ إِلَى الْمُقَيَّدِ أَوْلَى مِنَ التَّرْجِيحِ فَيُقَيَّدُ قَوْلُهُ فَهُوَ عَتِيقٌ أَوْ فَهُوَ حُرٌّ بِمَا إِذَا دَفَعَ الْقِيمَةَ لِشَرِيكِهِ لِحَدِيثِ الْبَابِ الظَّاهِرِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَإِنْ كَانَتِ الْوَاوُ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا لَكِنَّهَا فِي سِيَاقِ الْإِخْبَارِ بِالْأَحْكَامِ ظَاهِرَةٌ فِيهِ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ بِالْآيَةِ مَعَ أَنَّهَا بِالْوَاوِ، وَيُؤَيِّدُهُ هُنَا رِوَايَةٌ فِي الْبُخَارِيِّ: قُوِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ عُتِقَ، وَإِنْ أَجَازَ الْمُخَالِفُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْتِيبِ الْعِتْقِ عَلَى التَّقْوِيمِ تَرْتِيبُهُ عَلَى أَدَاءِ الْقِيمَةِ ; لِأَنَّ التَّقْوِيمَ يُفِيدُ مَعْرِفَةَ الْقِيمَةِ، وَأَمَّا الدَّفْعُ فَقَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ جَعْلَ الْعِتْقِ مُتَرَاخِيًا عَنِ التَّقْوِيمِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ فِي الْحَالِ كَمَا قَالُوا، فَلَوْ بَادَرَ الشَّرِيكُ بِعِتْقِهِ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ نَفَّذَ كَمَا قُلْنَا، وَيُقَوِّيهِ أَنَّ الْغَرَضَ مِنَ التَّكْمِيلِ وَجَبْرِ مَالِكِ الْبَعْضِ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ إِنَّمَا هُوَ تَتْمِيمُ الْعِتْقِ، فَإِذَا طَلَعَ بِهِ نَفَذَ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ تَصَرُّفِ الشَّخْصِ فِي مِلْكِهِ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَرَى اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ، وَإِكْمَالَ عِتْقِهِ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَوْجَبَ عِتْقَ مَا عَتَقَ وَرَدَّ مَا سِوَاهُ. وَأَمَّا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَخَلَاصُهُ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» ". فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ. . . إِلَخْ، مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي رِوَايَاتٍ أُخَرَ، وَبِهِ جَزَمَ جَمْعٌ مِنَ الْحُفَّاظِ. بَالَغَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، فَقَالَ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الِاسْتِسْعَاءِ لَيْسَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَأَبَى ذَلِكَ آخَرُونَ مِنْهُمُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَصَحَّحَا كَوْنَ الْجَمِيعِ مَرْفُوعًا، وَفِي ذَلِكَ كَلَامٌ طَوِيلٌ. وَحَدِيثُ الْبَابِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، وَأَيُّوبُ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015