رَأْسًا، فَلَوِ اخْتَصَّ الْبَائِعُ بِسِلْعَتِهِ عَظُمَ الضَّرَرُ عَلَى بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ لِخَرَابِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ وَذَهَابِهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ لِرَبِّ السِّلْعَةِ اسْتِرْجَاعُهَا فِي الْفَلَسِ إِذَا لَمْ يُعْطِهِ الْغُرَمَاءُ الثَّمَنَ، فَإِنْ أَعْطَوْهُ فَذَلِكَ لَهُمْ، لِأَنَّ اسْتِرْجَاعَهَا إِنَّمَا كَانَ لِعِلَّةٍ وَقَدْ زَالَتْ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي اسْتِرْجَاعِهَا، وَلَوْ دَفَعَ لَهُ الْغُرَمَاءُ الثَّمَنَ، لِأَنَّهُ قَدْ يَطْرَأُ غَرِيمٌ فَلَا يَرْضَى مَا صَنَعَ هَؤُلَاءِ اهـ.

وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُفْلِسِ وَلَا وَرَثَتِهِ أَخْذُهَا، لِأَنَّ الْحَدِيثَ جَعَلَ صَاحِبَهَا أَحَقَّ بِهَا مِنْهُمْ، فَالْغُرَمَاءُ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْخِيَارُ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ إِنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا وَحَاصَصَ بِثَمَنِهَا، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجَمَاعَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ ثَابِتٌ مِنْ رِوَايَةِ الْحِجَازِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ، وَأَجْمَعَ عَلَى الْقَوْلِ بِجُمْلَتِهِ فُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ وَالْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ وَالشَّامِ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ فُرُوعِهِ، وَدَفَعَهُ الْكُوفِيُّونَ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَهُوَ مِمَّا يُعَدُّ عَلَيْهِمْ مِنَ السُّنَنِ الَّتِي رَدُّوهَا بِغَيْرِ سُنَّةٍ صَارُوا إِلَيْهَا وَأَدْخَلُوا النَّظَرَ حَيْثُ لَا مَدْخَلَ لَهُ مَعَ صَحِيحِ الْأَثَرِ، وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ السِّلْعَةَ مَالُ الْمُشْتَرِي، وَثَمَنُهَا فِي ذِمَّتِهِ، فَغُرَمَاؤُهُ أَحَقُّ بِهَا كَسَائِرِ مَالِهِ وَهَذَا مَا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ لَوْلَا أَنَّ صَاحِبَ الشَّرِيعَةِ جَعَلَ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ إِذَا وَجَدَهَا بِعَيْنِهَا أَخَذَهَا {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةَ 36) {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} [النساء: 65] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةَ 65) الْآيَةَ.

وَلَوْ جَازَ مِثْلُ رَدِّ هَذِهِ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ بِإِمْكَانِ الْوَهْمِ وَالْغَلَطِ فِيهَا لَجَازَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ السُّنَنِ حَتَّى لَا تَبْقَى سُنَّةٌ إِلَّا قَلِيلٌ مِمَّا أُجْمِعَ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ السُّنَّةُ أَصْلٌ بِرَأْسِهَا، فَلَا سَبِيلَ أَنْ تُرَدَّ إِلَى غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْأُصُولَ لَا تَنْقَاسُ، وَإِنَّمَا تَنْقَاسُ الْفُرُوعُ رَدًّا عَلَى أُصُولِهَا، وَلَا أَعْلَمُ لِلْكُوفِيِّينَ سَلَفًا إِلَّا مَا رَوَاهُ قَتَادَةُ عَنْ خِلَاسِ ابْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: هُوَ فِيهَا أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ إِذَا وَجَدَهَا بِعَيْنِهَا.

وَأَحَادِيثُ خِلَاسٍ عَنْ عَلِيٍّ ضَعِيفَةٌ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إِذَا انْفَرَدَ حُجَّةٌ.

وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ حُجَّةٌ عَلَى الْجُمْهُورِ؛ إِذِ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِلسُّنَّةِ فَكَيْفَ يُقَلَّدُ وَيُتْبَعُ؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015