اللَّهُمَّ لَا تَرُدَّنِي إِلَى أَهْلِي كَعَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَلَّفَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكِبَرِ سِنِّهِ فَخَرَجَ رَجَاءَ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الْيَمَانُ وَثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ فَحُذِفَ الْمَشْهُودُ بِهِ لِلْعِلْمِ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَيْ أَشْهَدُ لَهُمْ بِالْإِيمَانِ الصَّحِيحِ وَالسَّلَامَةِ مِنَ الذُّنُوبِ الْمُوبِقَاتِ وَمِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ وَالْمُنَافَسَةِ فِي الدُّنْيَا وَنَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى.
فَجَعَلَ عَلَى بِمَعْنَى اللَّامِ.
وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: أَشْهَدُ مِنَ الشَّهَادَةِ وَهِيَ وِلَايَةٌ وَقِيَادَةٌ فَوُصِلَتْ بِحَرْفِ عَلَى لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ وَعَلَيْهِ.
وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ لَكِنْ لَمَّا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالرَّقِيبِ الْمُؤْتَمَنِ عَلَى أُمَّتِهِ عُدِّيَ بِعَلَى ( «فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: أَلَسْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ بِإِخْوَانِهِمْ أَسْلَمْنَا كَمَا أَسْلَمُوا وَجَاهَدْنَا كَمَا جَاهَدُوا؟» ) فَلِمَ خُصَّ هَؤُلَاءِ بِشَهَادَتِكَ عَلَيْهِمْ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بَلَى) أَنْتُمْ إِخْوَانُهُمْ. . . إِلَخْ، (وَلَكِنْ لَا أَدْرِي مَا تُحْدِثُونَ بَعْدِي) فَلِذَا خَصَّصْتُهُمْ بِالشَّهَادَةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ بِقَوْلِهِ هُوَ لَا " أَشْهَدُ عَلَيْهِمْ " (فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ بَكَى) كَرَّرَهُ لِمَزِيدِ أَسَفِهِ عَلَى فِرَاقِ الْمُصْطَفَى (ثُمَّ قَالَ: أَئِنَّا لَكَائِنُونَ) أَيْ مَوْجُودُونَ (بَعْدَكَ) اسْتِفْهَامُ تَأَسُّفٍ لَا حَقِيقِيٍّ لِاسْتِحَالَتِهِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَهُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ أَنَّ شُهَدَاءَ أُحُدٍ وَمَنْ مَاتَ قَبْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِمَّنْ خَلَّفَهُمْ بَعْدَهُ وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَصَابَ الدُّنْيَا بَعْدَهُ وَأَصَابَتْ مِنْهُ، أَمَّا الْخُصُوصُ وَالتَّعْيِينُ فَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ.