قَالَ عِيَاضٌ: وَالْأَجْرُ لَهَا فِيمَا تَتَكَلَّفُهُ مِنْ أَمْرِهِ فِي ذَلِكَ وَتَعْلِيمِهِ وَتَجْنِيبِهِ مَا يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ.

وَقَالَ عُمَرُ وَكَثِيرُونَ: إِنَّ الصَّبِيَّ يُثَابُ وَتُكْتَبُ حَسَنَاتُهُ دُونَ السَّيِّئَاتِ.

وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ مُخَاطَبٌ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ، أَوْ إِنَّمَا الْمُخَاطَبُ الْوَلِيُّ بِحَمْلِهِ عَلَى أَدَبِ الشَّرِيعَةِ لِلتَّمْرِينِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَبْعُدُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَدَّخِرُ لِلصَّبِيِّ ثَوَابَ مَا عَمِلَ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالصَّبِيُّ الَّذِي يُحْرِمُ عَنْهُ الْوَلِيُّ، الصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّهُ الْوَلِيُّ الَّذِي لَهُ النَّظَرُ فِي مَالِهِ مِنْ أَبٍ أَوْ جَدٍّ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ مُقَدَّمٍ قَاضٍ أَوْ نَاظِرٍ، وَلَا يَصِحُّ إِحْرَامُ الْأُمِّ عَنْهُ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً أَوْ مُقَدَّمَةً مِنَ الْقَاضِي، وَقِيلَ: يَصِحُّ إِحْرَامُهَا وَإِحْرَامُ الْعُصْبَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ نَظَرٌ فِي الْمَالِ نَقَلَهُ الْأُبِّيُّ وَأَقَرَّهُ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ.

قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ: لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى صِحَّةِ الْإِحْرَامِ عَنْهُ مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ هَذَا الصَّبِيَّ كَانَ مُمَيِّزًا فَأَحْرَمَ هُوَ عَنْ نَفْسِهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ لَمْ يُمَيِّزْ، فَلَعَلَّ لَهُ وَلِيًّا أَحْرَمَ عَنْهُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهَا الَّتِي أَحْرَمَتْ فَلَعَلَّهَا وَلِيَّةُ مَالٍ، وَفِيهِ الْمُبَادَرَةُ إِلَى اسْتِفْتَاءِ الْعُلَمَاءِ، وَالْأَخْذِ عَنْهُمْ قَبْلَ فَوَاتِهِمْ، وَجَوَازُ رُكُوبِ الْمِحَفَّةِ وَالْمَحْمِلِ، وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ الرُّكُوبَ عَلَى الْقَتَبِ فِي حَقِّ مَنْ أَطَاقَهُ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَحْمِلَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ أَوْلَى، لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا، وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْحَجِّ بِالصِّغَارِ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فِي كُلِّ قَرْنٍ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَحُجُّ بِهِمْ، وَهُوَ قَوْلٌ لَا يُشْتَغَلُ بِهِ، وَلَا يُعْرَجُ عَلَيْهِ.

وَقَالَ عِيَاضٌ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ الْحَجِّ بِالصِّبْيَانِ، وَإِنَّمَا مَنَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِمْ، بَلْ هُوَ مَرْدُودٌ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَفِيهِ انْعِقَادُ حَجِّ الصَّبِيِّ، وَصِحَّتُهُ، وَوُقُوعُهُ نَفْلًا، وَإِنَّهُ مُثَابٌ عَلَيْهِ فَيَجْتَنِبُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْكَبِيرُ مِمَّا يَمْنَعُهُ الْإِحْرَامُ، وَيَلْزَمُهُ مِنَ الْفِدْيَةِ وَالْهَدْيِ مَا يَلْزَمُهُ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَالْجُمْهُورُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَنْعَقِدُ، وَإِنَّمَا يُجَنَّبُ مِنْ ذَلِكَ، وَيَفْعَلُ لِلتَّمْرِينِ لِيَفْعَلَهُ إِذَا بَلَغَ.

قَالَ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ: وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ، وَتَأَوَّلَهُ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يُفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ لِلتَّمْرِينِ، وَاحْتِمَالُ أَنَّ الصَّبِيَّ كَانَ بَالِغًا لَا يَصِحُّ إِذْ لَا فَائِدَةَ لِقَوْلِهَا: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ عَلَى أَنَّهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ صُرِّحَ بِأَنَّهُ صَغِيرٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رَفْعُهَا لَهُ، إِذْ لَا يُرْفَعُ الْكَبِيرُ، وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا فَأَخَذَتْ بِضَبْعَيْ صَبِيٍّ وَهِيَ فِي مِحَفَّةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ مِحَفَّتِهَا.

قَالَ عِيَاضٌ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إِذَا بَلَغَ عَنْ حَجَّةِ الْفَرْضِ، إِلَّا فِرْقَةً شَذَّتْ، فَقَالَتْ: يُجْزِئُهُ، وَلَمْ يَلْتَفِتِ الْعُلَمَاءُ إِلَى قَوْلِهَا.

وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ دَاوُدَ فِي الْمَمْلُوكِ الْبَالِغِ إِذَا حَجَّ قَبْلَ عِتْقِهِ يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ دُونَ الصَّبِيِّ، وَفَرَّقَ بِخِطَابِ الْمَمْلُوكِ عِنْدَهُ بِهِ وَالصَّبِيُّ غَيْرُ مُخَاطَبٍ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُخَاطَبُ بِالْحَجِّ، وَأَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ عَنِ الْفَرْضِ كَالصَّبِيِّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، وَابْنِ وَهْبٍ وَالطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015