ذَلِكَ لَا الْجِمَاعَ (وَهُوَ صَائِمٌ تَقُولُ: وَأَيُّكُمْ أَمْلَكُ لِنَفْسِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ: أَنَّهُ يَنْبَغِي لَكُمِ الِاحْتِرَازُ عَنِ الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَلَا تَتَوَهَّمُوا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ مِثْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اسْتِبَاحَتِهَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَيَأْمَنُ الْوُقُوعَ فِي قُبْلَةٍ يَتَوَلَّدُ مِنْهَا إِنْزَالٌ أَوْ شَهْوَةٌ أَوْ هَيَجَانُ نَفْسٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَأَنْتُمْ لَا تَأْمَنُونَ ذَلِكَ فَطَرِيقُكُمِ الِانْكِفَافُ عَنْهَا.

وَبِرِوَايَةِ الْمُوَطَّأِ هَذِهِ فَسَّرَ التِّرْمِذِيُّ رِوَايَةَ الصَّحِيحَيْنِ: " أَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ؟ " فَقَالَ: مَعْنَاهُ نَفْسَهُ.

قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ: وَهُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ أَوْلَى مَا فُسِّرَ بِهِ الْغَرِيبُ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ؛ انْتَهَى.

وَ " إِرْبَهُ " بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ رَوَاهُ الْأَكْثَرُ كَمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَعِيَاضٌ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ الْأَشْهَرُ، وَرُوِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ.

وَقَدَّمَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ: إِنَّهُ الْأَشْهَرُ.

وَإِلَى تَرْجِيحِهِ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ وَهُمَا بِمَعْنَى وَطَرِهِ وَحَاجَتِهِ؛ أَيْ: أَغْلَبُ لِهَوَاهِ وَحَاجَتِهِ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ عَلَى الْعُضْوِ الْخَاصِّ قَالَهُ عِيَاضٌ.

قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: لَكِنْ حَمْلَهُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْعُضْوِ غَيْرُ سَدِيدٍ لَا يَغْتَرُّ بِهِ إِلَّا جَاهِلٌ؛ بِوُجُوهِ حُسْنِ الْخِطَابِ مَائِلٌ عَنْ سُنَنِ الْأَدَبِ وَنَهْجِ الصَّوَابِ.

وَرَدَّهُ الطِّيبِيُّ بِأَنَّهَا ذَكَرَتْ أَنْوَاعَ الشَّهْوَةِ مُرْتَقِيَةً مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى فَبَدَأَتْ بِمُقَدَّمَتِهَا الَّتِي هِيَ الْقُبْلَةُ، ثُمَّ ثَنَّتْ بِالْمُبَاشِرَةِ مِنْ نَحْوِ الْمُدَاعَبَةِ وَالْمُعَانَقَةِ وَأَرَادَتْ أَنْ تُعَبِّرَ عَنِ الْمُجَامَعَةِ فَكَنَّتَ عَنْهَا بِالْإِرْبِ؛ وَأَيُّ عِبَارَةٍ أَحْسَنَ مِنْهَا، اهـ.

وَأَخَذَ الظَّاهِرِيَّةُ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَجَعَلُوا الْقُبْلَةَ لِلصَّائِمِ سُنَّةً وَقُرْبَةً مِنَ الْقُرَبِ اقْتِدَاءً بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَلَيْسَ كَغَيْرِهِ، وَكَيْفَمَا كَانَ لَا يَفْطِرُ إِلَّا بِإِنْزَالِ الْمَنِيِّ، فَلَوْ أَمْذَى وَجَبَ الْقَضَاءُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَشَذَّ قَوْمٌ فَقَالُوا: فَمُجَرَّدُ الْقُبْلَةِ يَبْطُلُ الصَّوْمُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015