وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فَيَقُولُ اللَّهُمَّ فَالِقَ الْإِصْبَاحِ وَجَاعِلَ اللَّيْلِ سَكَنًا وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ حُسْبَانًا اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ وَأَغْنِنِي مِنْ الْفَقْرِ وَأَمْتِعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي وَقُوَّتِي فِي سَبِيلِكَ»

ـــــــــــــــــــــــــــــ

493 - 496 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمْ تَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ فِي سَنَدِهِ وَلَا فِي مَتْنِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو شَيْبَةَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَدْعُو فَيَقُولُ) وَهُوَ مُرْسَلٌ، فَمُسْلِمٌ تَابِعِيٌّ (اللَّهُمَّ فَالِقَ الْإِصْبَاحِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ خَلَقَهُ وَابْتَدَأَهُ وَأَظْهَرُهُ (وَجَاعِلَ اللَّيْلِ سَكَنًا) أَيْ يُسْكَنُ فِيهِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: الْجَعْلُ لُغَةً الْخَلْقُ وَالْحُكْمُ وَالتَّسْمِيَةُ، فَإِذَا تَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ فَهُوَ بِمَعْنَى الْخَلْقِ كَقَوْلِهِ: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: 1] (سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 1) وَإِلَى مَفْعُولَيْنِ فَيَكُونُ بِمَعْنَى الْحُكْمِ وَالتَّسْمِيَةِ نَحْوُ: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [الزخرف: 19] (سُورَةُ الزُّخْرُفِ: الْآيَةُ 19) وَبِمَعْنَى الْخَلْقِ كَقَوْلِهِمْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي مُسْلِمًا.

فَقَوْلُهُ (وَجَاعِلَ اللَّيْلِ سَكَنًا) يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ (وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ حُسْبَانًا) قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَيْ حِسَابًا أَيْ بِحِسَابٍ مَعْلُومٍ، وَقَدْ يَكُونُ جَمْعَ حِسَابٍ كَشِهَابٍ وَشُهْبَانٍ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ يَحْسُبُ بِهِمَا الْأَيَّامَ وَالشُّهُورَ وَالْأَعْوَامَ، قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس: 5] (سُورَةُ يُونُسَ: الْآيَةُ 5) (اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْأَظْهَرُ فِيهِ دُيُونُ النَّاسِ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ دُيُونُ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي الْحَدِيثِ: " «دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» ". (وَأَغْنِنِي مِنَ الْفَقْرِ) ; لِأَنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَهَذَا الْفَقْرُ هُوَ الَّذِي لَا يُدْرَكُ مَعَهُ الْقُوتُ، وَقَدْ أَغْنَاهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا قَالَ: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] (سُورَةُ الضُّحَى: الْآيَةُ 8) وَلَمْ يَكُنْ غِنَاهُ أَكْثَرَ مِنَ اتِّخَاذِ قُوتِ سَنَةٍ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، وَالْغِنَى كُلُّهُ فِي قَلْبِهِ ثِقَةً بِرَبِّهِ، وَقَالَ: " «اللَّهُمَّ ارْزُقْ آلَ مُحَمَّدٍ قُوتًا» ". وَلَمْ يُرِدْ بِهِمْ إِلَّا الْأَفْضَلَ. وَقَالَ: " «مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى» ". وَكَانَ يَسْتَعِيذُ مِنْ فَقْرٍ مُبْئِسٍ وَغِنًى مُطْغٍ، وَيَسْتَعِيذُ مِنْ فِتْنَةِ الْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَقَالَ: " «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ، وَلَا تَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا» ". وَالْمِسْكِينُ هُنَا الْمُتَوَاضِعُ لَا السَّائِلُ ; لِأَنَّهُ كَرِهَ السُّؤَالَ وَنَهَى عَنْهُ وَحَرَّمَهُ عَلَى مَنْ يَجِدُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ، وَالْآثَارُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ، وَرُبَّمَا ظَهَرَ فِي بَعْضِهَا تَعَارُضٌ، وَبِهَذَا التَّأْوِيلِ تَتَقَارَبُ مَعَانِيهَا، فَمَنْ آتَاهُ اللَّهُ سَعَةً وَجَبَ شُكْرُهُ عَلَيْهَا، وَمَنِ ابْتُلِيَ بِالْفَقْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّبْرُ، إِلَّا أَنَّ الْفَرَائِضَ تَتَوَجَّهُ عَلَى الْغَنِيِّ وَهِيَ سَاقِطَةٌ عَنِ الْفَقِيرِ، وَلِلْقِيَامِ بِهَا فَضْلٌ عَظِيمٌ، وَلِلصَّبْرِ عَلَى الْفَقْرِ ثَوَابٌ جَسِيمٌ: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] (سُورَةُ الزُّمَرِ: الْآيَةُ 10) وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا أَشَارَ لَهُ أَبُو عُمَرَ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015