وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ إِذَا أَصْبَحَ وَقَدْ مُطِرَ النَّاسُ مُطِرْنَا بِنَوْءِ الْفَتْحِ ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ {مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 2]

ـــــــــــــــــــــــــــــ

451 - 454 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا أَصْبَحَ وَقَدْ مُطِرَ النَّاسُ مُطِرْنَا بِنَوْءِ الْفَتْحِ) أَيْ: فَتَحَ رَبُّنَا عَلَيْنَا فَاسْتُعْمِلَ النَّوْءُ فِي الْفَتْحِ الْإِلَهِيِّ لِلْإِشَارَةِ إِلَى رَدِّ مُعْتَقَدِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ إِسْنَادِهِ لِلْكَوَاكِبِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِذَا لَمْ تَعْدِلُوا عَنْ لَفْظِ نَوْءٍ فَأَضِيفُوهُ إِلَى الْفَتْحِ. (ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ: " {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ} [فاطر: 2] مَطَرٍ وَرِزْقٍ {فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر: 2] أَيْ: لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَمْنَعَهَا عَنْهُمْ {وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 2] فَكَيْفَ يَصِحُّ إِضَافَتُهُ لِلْأَنْوَاءِ وَهِيَ مَخْلُوقَةٌ؟ وَالْحَاصِلُ كَمَا قَالَ الْبَاجِيُّ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ مَنْ أَضَافَ الْمَطَرَ إِلَى فَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ بِلَا سَبَبٍ وَلَا تَأْثِيرٍ، وَمَا يُدَّعَى مِنْ تَأْثِيرِ الْكَوَاكِبِ قِسْمَانِ:

أَنْ يَكُونَ الْكَوْكَبُ فَاعِلًا وَأَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَيْهِ، وَإِذَا حُمِلَ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِاحْتِمَالِهِ لَهُمَا اقْتَضَى ظَاهِرُهُ تَكْفِيرَ مَنْ قَالَ بِأَحَدِهِمَا قَالَ تَعَالَى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر: 3] (سُورَةُ فَاطِرٍ: الْآيَةُ 3) وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} [لقمان: 34] (سُورَةُ لُقْمَانَ: الْآيَةُ 34) وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65] (سُورَةُ النَّمْلِ: الْآيَةُ 65) وَقَوْلُ بَعْضِ الْجُهَّالِ: لَيْسَ مِنَ الْإِخْبَارِ عَنِ الْغَيْبِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُخْبِرُ بِأَدِلَّةِ النُّجُومِ بَاطِلٌ، فَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ مَا تَصَوَّرَ غَيْبٌ يَنْفَرِدُ بِهِ الْبَارِي تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ سِرٍّ كَانَ وَيَكُونُ إِلَّا وَالنُّجُومُ تَدَلُّ عَلَيْهِ. وَأَمَّا إِنْ قَالَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْعَادَةَ نُزُولُ الْمَطَرِ عِنْدَ نَوْءٍ مِنَ الْأَنْوَاءِ، وَأَنَّ ذَلِكَ النَّوْءَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي نُزُولِهِ، وَأَنَّ الْمُنْفَرِدَ بِإِنْزَالِهِ اللَّهُ، فَلَا يَكْفَرُ مَعَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يَجُوزُ إِطْلَاقُهُ بِوَجْهٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ مَا ذَكَرْنَا لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِالْمَنْعِ مِنْهُ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إِيهَامِ السَّامِعِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015