القول في الصفات فرع على القول في الذات

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكلام الأئمة في هذا الباب أطول وأكثر من أن تسع هذه الفتيا عشره وكذلك كلام الناقلين لمذهبهم.

مثل ما ذكره أبو سليمان الخطابي في رسالته المشهورة في (الغنية عن الكلام وأهله) قال: فأما ما سألت عنه من الصفات، وما جاء منها في الكتاب والسنة، فإن مذهب السلف إثباتها وإجراؤُها على ظواهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها، وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله، وحققها قوم من المثبتين فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف].

يعني: قوم نفوها وعطلوا الرب عن صفاته، وقوم غلوا في الإثبات حتى شبهوا الله بخلقه ومثلوه بعباده، وقوله: حققها يعني: معناها، يعني: زادوا في الإثبات حتى وصلوا إلى التشبيه.

قال: [وإنما الفصل في سلوك الطريقة المستقيمة بين الأمرين، ودين الله تعالى بين الغالي فيه والمقصر عنه].

وهذا مذهب أهل السنة والجماعة أثبتوا الصفات، ونفوا مماثلة ومشابهة المخلوقات، وهو وسط بين مذهب المعطلة الذين غلوا في التنزيه حتى عطلوا صفات الله وصفات كماله، وبين المشبهة من الشيعة والرافضة غلوا في الإثبات حتى مثلوا الله بخلقه.

مداخلة: وإنما الفصل في سلوك الطريق المستقيمة بين الأمران.

يعني: القصد في التوسط والاعتدال.

قال: [ودين الله تعالى بين الغالي فيه والمقصر عنه، والأصل في هذا: أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، ويحتذى في ذلك حذوه وأمثاله].

أي: كما أن الله له ذات لا تشبه الذوات فله صفات لا تشبه الصفات.

قال: [فإذا كان معلوماً أن إثبات الباري سبحانه إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف.

فإذا قلنا: يد وسمع وبصر وما أشبهها، فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه، ولسنا نقول: إن معنى اليد: القوة أو النعمة.

وهذا قول المعطلة، فسروا اليد بالقوة وبالنعمة، وهذا من أبطل الباطل، قال تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75].

وهذا يقول: بقوتي وبنعمتي يفسد المعنى، لأن نعم الله كثيرة.

قال: [ولسنا نقول: إن معنى اليد القوة أو النعمة، ولا معنى السمع والبصر: العلم، ولا نقول: إنها جوارح].

يقولون: السمع والبصر يعني: العلم وهذا باطل، الله يسمع ويبصر يقولون: يعني: يعلم.

وقوله: [ولا نقول: إنها جوارح، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل].

لا نقول لها: جوارح هذا مما أطلقه أهل البدع، يقولون: اليد هي الجارحة.

ولا نشبهها بأبصار المخلوقين وأسماعهم التي هي الجوارح بالفعل وأدوات للفعل، فهو سبحانه متنزه بجلاله وعظمته لا يماثله أحد من خلقه، كما قال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] وقال سبحانه: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65].

فعلى ذلك فإن الأشياء التي لم ترد ولم تثبت لا تكيَّف ولا يقال: لله جوارح، ولا يقال: له جسمٌ أو حجم أو حيز أو جهة، لا ننفي ولا نثبت.

قال: [ونقول: إن القول إنما وجب بإثبات الصفات؛ لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها؛ لأن الله ليس كمثله شيء، وعلى هذا ترى قول السلف في أحاديث الصفات انتهى هذا كله كلام الخطابي وهكذا قاله أبو بكر الخطيب الحافظ في رسالة له أخبر فيها أن مذهب السلف على ذلك، وهذا الكلام الذي ذكره الخطابي قد نقل نحواً منه من العلماء من لا يحصى عددهم، مثل: أبي بكر الإسماعيلي، والإمام يحيى بن عمار السجزي وشيخ الإسلام أبي إسماعيل الهروي صاحب منازل السائرين وذم الكلام وهو أشهر من أن يوصف، وشيخ الإسلام أبي عثمان الصابوني وأبي عمر بن عبد البر النمري إمام المغرب وغيرهم].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015