شرح التلقين (صفحة 1838)

وهي سليمة، على ثمنها معيبة. وفي الصحيح أنَّه عليه السلام قال: "لا تصرُّوا الإبل" (?) الحديث. فنهى عن التصرية، وهي ترك اللبن في الضرع ليعظم جرمه في العين، فيعتقد المشتري أنَّ ذلك عادتها في الحلاب، فيزيد في الثمن لأجل هذا التدليس. وقد خرج مسلم في صحيحه أنَّه عليه السلام مرَّ بصبرة طعام فأدخل يده فيها فنال أصابعه بلل، فقال: ما هذا؟ فقال: يا رسول الله أصابته السماء، فقال: هلاَّ جعلتموه على وجه الصبرة حتَّى يراه الناس، من غشَّ فليس منَّا. (?) وقد ذكر في الحديث أنَّه أوحي إليه: بأن أدخل يدك فيها، فبالغ - صلى الله عليه وسلم - في التغليظ في المنع من الغش حتَّى أورد كلامًا ظاهره إخراج الغاش من الدين.

وقد اختلف الناس في تأويل هذا الحديث، وهو قوله عليه السلام: "من غشَّنا فليس منَّا" على خمسة أقوال. فمنهم من قال: المراد به أنَّ من غشَّ فليس على ديننا. قال ابن داوود: هذا غلط لأنَّ الغاش ليس بكافر.

وهذا الذي قدح به ابن داوود في هذا التأويل بعض الناس إلى أن حمل الحديث على أنَّ المراد به: من غشَّنا مستحلا لغشنا، وهذا لا شكَّ أنَّه يكفر به الغاش؛ لأنَّ استحلال ذلك مع أنَّ الشرع حرَّمه تكذيب للشرع، ومن كذَّب الشرع فهو كافر. وكان يقال في المذاكرة، فيصير هذا الإستدراك قولًا ثانيًا.

وقد قيل: إنَّه ليس مثلنا. وطعن ابن داوود في هذا التأويل، وقال: النبي عليه السلام لا مثل له. هذا الذي طعن به ضعيف، لأنَّه صدق في أن النبي لا مثل له منا في نبوَّته وعصمته وشرفه عند الله تعالى، وليس المراد بقول هؤلاء:

ليس مثلنا في ذلك، وإنَّما المراد ليس مثلنا في تحريم ما يحرم وتحليل ما يحل والكف عن المحرَّمات.

وقيل: المراد ليس منا في فعلنا وسنَّتنا. وأنكر ابن داوود هذا أيضًا، وقال: الغش غير الغاش، وإنَّما ذكر في الحديث الغاش لا فعل الغاش. وهذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015