وجاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لينو لمن تعلمون ولمن تتعلمون منه» (?) .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «أكرم الناس جليسي الذي يتخطى الناس حتى يجلس إلي، لو استطعت أن لا يقع الذباب على وجهه لفعلت» (?) .

وفي رواية قال: «إن الذباب ليقع عليه فيؤذيني» .

وقال أيوب السجستاني: ينبغي للعالم أن يضع التراب على رأسه تواضعاً لله تعالى.

وفي قول الخضر لسيدنا موسى - عليه السلام -: «إني على علم من علم علمنيه الله لا تعلمه أنت، وأنت على علم علمكه الله لا أعلمه» دليل على أن موسى علمه الله الشريعة دون الحقيقة.

قال شيخنا جلال الدين السيوطي: إنما جمعت الحقيقة والشريعة لنبينا - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن للأنبياء إلا أحدهما بدليل قصة موسى مع الخضر وقوله: «إني على علم ... » إلى آخره.

قال البلقيني: قول الخضر لموسى: «إني على علم ... » إلى آخره، ظاهره أنه يمتنع تعليم العلمين معاً وهو مشكل، فإنه لا يمنع جمعها. ثم أجاب بجوابين:

أحدهما: بين فيه وجه امتناع الجمع بين الحقيقة الشريعة فقال: جواب هذا الإشكال: أن علم الحقائق والكشوف ينافي علم الظاهر، فلا ينبغي للعالم الحاكم بالظاهر أن يعلم الحقائق للتنافي، لأنه إذا وجد غلاماً ظاهر الشرع يقتضي امتناع قتله، والحقيقة تقتضي أن يقتل، فلا ينبغي له أن يعلم هذا لما قررناه من التنافي، وأما العالم بالحقيقة فلا ينبغي له أن يعلم العلم الظاهر الذي ليس مكلفاً به، والذي ينافي ما عنده من الحقيقة، فإنه إذا اطلع بمقتضى الحقيقة على أن هذا الغلام يقتل كان منافياً للظاهر الشريعة.

الجواب الثاني: أنه يمكن حمل العلم على تنفيذه أي: العمل به لا على امتناع تعلمه والمعنى: أن لي علماً لا ينبغي لك أن تعلمه لتعمل به، ولأن العمل به مناف لمقتضى الشرع، وإن لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمه فأعمل بمقتضاه لأن مقتضاه منافي لمقتضى الحقيقة، قال: فعلى هذا لا يجوز للولي التابع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اطلع على حقيقة شيء أن ينفذ ذلك بمقتضى الحقيقة، وإنما عليه تنفيذ الحكم للظاهر، قال: ولا أر من تعرض لذلك، والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015