عليك صلاة الله ما لاح بارق ... وما طاف بالبيت الحجيج وما لبى
لطيفة أخرى: يروى أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: دخلت على مريض من الأنصار مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في سكرات الموت فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تب» فلم يقدر، فحال بطرفه نحو السماء، فتبسم النبي - صلى الله عليه وسلم - فسئل عن ذلك فقال: «لما لم يعمل بلسانه أومئ بقلبه نحو السماء وندم قال الله تعالى: يا ملائكتي عبدي عجز عن التوبة بلسانه فندم بقلبه، أشهدكم أني قد غفرت له ذنوبه، ولو كانت أكثر من زبد البحر» (?) .
في قوله - صلى الله عليه وسلم - «من سلم المسلمون» من أنواع البديع تجنيس الاشتقاق كما في «أسلم تسلم» (?) ، وأما الجملة الثانية أعني قوله - صلى الله عليه وسلم - «والمهاجر من هجر ما نهي الله عنه» فقد اختلف معناها فقيل: معناها أن مكة لما فتحت وانقطعت الهجرة وفواتها على من يدركها من الصحابة، فطيب قلوبهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعلمهم بأن حقيقة الهجرة تحصل بهجر ما نهى الله عنه.
وقيل في معناها: أن هذه الهجرة على ضربين ظاهرة وباطنة، فالباطنة: ترك ما تدعو إليه النفس الأمارة بالسوء والشيطان، والظاهرة: الفرار بالدين من الفتن.
وكأن المهاجرين خوطبوا بذلك لئلا يتكلموا على مجرد التحول من دارهم حتى يمتثلوا أوامر الشرع، فأعلمهم - صلى الله عليه وسلم - أن المهاجر الكامل من هجر وترك ما نهي الله عنه، مع مفارقته الوطن، وليس المهاجر الكامل من فارق وطن فقط.
قال ابن الملقن: اشتملت هاتان الجملتان على جوامع من معاني الحكم والأحكام وفي الحديث: الحث على ترك أذى المسلمين، بكل ما يؤذي، ليكون الإنسان بذلك حسن التخلق مع العالم، ومعدوداً من الأبرار، وقد فسر الأبرار بأنهم الذين لا يؤذون الذر ولا يرضون بالشر.